الكفر بين وضوح الإسلام وتمويهات الحداثيين

الكفر بين وضوح الإسلام وتمويهات الحداثيين

بقلم: إبراهيم بن محمد صدّيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

ففي ظلِّ العولمة التي انفجرت في وجه العالم من عَصر الحداثة وما بعد الحداثة، صارَ الحديثُ عن الحقِّ الواحد حديثًا منبوذًا في الوَسط الليبرالي الحداثيِّ المعاصر، وباتت الدَّعوة إلى التعدُّدية الفكريَّة والسياسيَّة والدينيّة هي الدَّعوةَ الرائجةَ حتّى بين أوساط المثقَّفين المتديِّنين.

وهذه الدّعاوى التي كان يُروَّج لها في الغرب منذُ الثورة الفرنسية وما بعدها، صارت اليوم إليها رائجةً في الفكر العربيّ مع محاولة تتبّع الغرب في كل صغيرةٍ وكبيرة، فكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا ودينيًّا؛ ولذلك نجد الحداثيّين العرب من أكثر من يشنِّعُ على أصحاب الحقِّ الواحد ممَّن يرون أنَّ الإسلام هو الدِّينُ الحقّ وأنَّ ما سواه باطل، فهذه الدعوة تمثّل لديهم الكابوسَ الذي ينبغي محاربته، أمَّا الفكرة الصحيحةُ عندهم فهي: تقبُّل كلِّ الأديان واحترامُها والتَّسويةُ بينها، والقولُ بأنَّها على درجةٍ واحدةٍ في الصَّواب، ضاربين بعرض الحائط كلَّ تلك النُّصوص الشرعية الإسلامية التي تبيِّن أنَّ الحقَّ في دين الإسلام، وأنَّ الأديان الأخرى احتَوت باطلًا كثيرًا بعد أن حُرِّفت وبُدِّلت وغُيِّرت، ولم يقف الأمر بهم عند الدعوة إلى هذه القضية، بل تجاوز ذلك إلى إلباس دعوتهم لبوسًا شرعيًّا بادِّعاء أنَّ الإسلام ساوى بين الأديان وجَعَلها كلَّها طرقًا مؤدية إلى الله.
 

فالأديانُ كلُّها صحيحةٌ عندهم، وهي على درجةٍ واحدةٍ من الحقّ، أو -على الأقلّ- على درجةٍ واحدة من عدَم اليقين، إذ إنه لا يمكن لأحدٍ أن يجزم بالحقيقة، يقول هاشم صالح: «بعد سُقوط الشيوعية والحزب الواحد والأوحد، أخذ العالَم كلُّه يسيرُ في اتجاه تبنِّي قِيَم التعدُّدية الفكرية والسياسية، فلا أحد يستطيع أن يزعم بأنَّه يمتلك الحقيقة بشكلٍ مسبق، فالآخرون أيضًا لهم نصيبهم من الحقيقة وإلا لكان العالم كلُّه قد اكتُسِحَ من قبل دينٍ واحد، ولكنّنا نعلم أنَّ هناك عدةَ أديان في العالم؛ كالبوذية، والهندوسية، والإسلام، والمسيحية، واليهودية، الخ… ومن غير المعقول أن يكون أبناء كل الأديان الأخرى على ضلالٍ ونحن وحدنا على حق!» حاشية الفكر الأصولي واستحالة التأصيل (ص: ١٨٣). (١)، فهو يرى أنه لا يمكن لأحد أن يجزم بأن الحق في دين واحد، ولا يمكن لأحد أن يجزم بأنه يمتلك الحقيقة بشكل مسبق. ويرى عبدالكريم شروس أنّ الحق يتعدّد ويتنوع، وقد استهلَّ كتابه "الصّراطات المستقيمة" بأبياتٍ لابن العربيّ يدعو فيها إلى تصحيح كلِّ الأديان، ويبين أنّها كلَّها تؤدِّي إلى الله ينظر: التعددية الدينية (رؤية نقدية)، د. محروس محمد محروس بسيوني، مجلة جامعة طيبة (ع:١٢، ص: ٤٢٣). (٢).

والتعدّدية الدينية لم تعد اتجاهًا فلسفيًّا نظريًّا ذا بُعدٍ تجريدي فحسب؛ بل أصبحت نمطًا في الفكر والممارسة الإقصائية تجاه كلِّ من يقول بالحق الواحد المنزَّل من عند رب العالمين.

وأصحاب التعددية الدينية على مستويات:

فمنهم من يرى التعايش فقط مع الآخر دون التعرض لدينه بأيِّ نقد.

ومنهم من يرى أنَّ كل الأديان صواب، وأنها على حق كلها.

ومنهم من يرى أن كل الأديان غير صحيحة، فهي على درجة واحدة في عدم اليقين كما أنها على درجة واحدة في كونها بشرية، فلا مزيَّة لدينٍ على آخر.

ومنهم من يبني على أنَّ كلَّ المتدينين سينجون يوم القيامة، فالتعددية هي: «ضرورة الاعتراف المعرفي وليس فقط الاجتماعي والأخلاقي بكافة الأديانِ والمذاهب، وإعطاء المعذوريَّة للمؤمنين بها، وبالتالي عدلت من مفهوم النجاة الذي كان يعني في الماضي: حصر الخلاص في طائفةٍ دينيَّةٍ واحدة، بحيث صارأكثر شمولا واتساعا ليشمل أكثرية أبناء الديانات والمذاهب» التعددية الدينية، نظرةٌ في المذهب البلورالي، حيدر حب الله (ص: ٣٤). (٣).
 

الأصول التي بنى عليها الحداثيُّون قولهم:

الفكرة التي اتّبع فيها الحداثيّون الفكرَ الغربيَّ نابعةٌ من أسسٍ عديدةٍ، ناتجةٍ عن النّظرة اللّادينية للحياة والفكر والحقيقة، ويمكن تلخيص أهم هذه الأصول في الآتي:

أولًا: القولُ بالنّسبيَّة المُطلقة: والنسبية كما عبَّر عنها أبو يعرب المرزوقي وطيّب تيزيني، هي: «الرّأي الذي يقول بأنّ الحقيقةَ نسبيةٌ، وتختلفُ من فردٍ إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر، وليس لها معاييرُ موضوعيّة، وبالتالي؛ فإنَّ كل مُدرَكٍ نسبيٌّ» آفاق فلسفية عربية معاصرة (ص: ٣٢٩). (٤).

وهذا يعني عند متبنِّيها أنّه لا وجودَ لأيِّ حقيقةٍ؛ بل كلُّ وُجهاتِ النَّظر صحيحةٌ متساويةٌ، وكلُّها نسبيَّةٌ في نظَر الفَرد، وهذهِ هي القاعدةُ الأساسيَّة التي تعتمِدُ عليها الدَّعوة إلى احترام كلِّ الأديان والاعترافِ بأنَّها على حقّ، فالحقيقة سائلةٌ وموجودةٌ في كل الأديان، ولا توجد حقيقةٌ مطلقةٌ واحدةٌ تكون هي الحقّ دونَ ما عداها.

والنسبية هدمٌ لأيّ قيمةٍ فوق بشريّة، فالنسبيةُ إخضاعٌ لكل شيءٍ للفكر الإنساني فحَسب، يقول د. علي سامي النشَّار: «ونسبيّةُ كلِّ شيءٍ قال بها بروتاغوراس السُّوفَسطائيّ  فيلسوف عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، كان يعتقد أن الإنسان أساس كل المعايير، فالخير والشَّر يجب أن يحدد بمعيار الإنسان فحسب، وكان لا أدريًّا، أي: يقول: لا أدري هل الله موجود أو غير موجود. (٥) حين أرادَ أن ينقُدَ أُصولَ المعرفة (الإنسانُ هو مِقياسُ وجودِ ما يوجَدُ منها، ومقياسُ لاوجودِ ما لا يوجد)، ثم أخَذَ بها الشُّكاك بعدُ فطبقوها على الحد، كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقةٌ من حقائق العلم ثابتةً أو مستقرّة، بل كلُّ شيء -كما يقول هِرُقليطس فيلسوف يوناني، كان مشهورا بقوله: إن الوجود في تغيُّرٍ دائم، فالتغير هو الجوهر الأساس في الكون. (٦) - في تغيُّرٍ مستمِر» مناهج البحث عند مفكري الإسلام (ص: ١٩١). (٧).
 

وقبول الأديان والأفكار جميعِها منضوٍ تحت هذا الفهمِ النسبيّ، فلا شيءَ من المُحكَمات التي نستطيعُ أن نتحاكمَ إليها موجود، ولا يوجد مطلقٌ لا تحومُ حولَه الكثيرُ من التفسيرات والتأويلات التي تُخرِجُها عن معناها دونَ أن يكون هناكَ أيُّ رادعٍ فكريّ، فإذا كانت كلُّ الأفكار نسبيةً، فلا معنى للقول: بأن الدين الإسلامي هو الحق، فالحقُّ بحسب كل إنسان هو ما يعتقدُه كما يزعمون، ولذلك لا ينبغي الإنكارُ على الدِّيانات الأخرى ولا الأفكارِ الأخرى مهما كنت تعتقدُها باطلة.
 

ثانيا: النصُّ المفتوح: النسبية كانت سببًا للقول بنظريَّة موت المؤلف أو انفكاك النَّص عن قائله، ولذلك حوَّل الحداثيون السؤال من: ما هو معنى النَّصّ لأفهمه؟ إلى: ما الذي أفهمُه ليكونَ هو المعنى؟ وهو تحويلٌ من المعنى المُعطَى من الشَّرع إلى المعنى الممزوج بالرَّأيِ والهوى والحُمولة الثقافيَّة المتعدِّدة للقرَّاء المتعدِّدين، وانتقالٌ من المعنى المعصوم القطعيِّ -إن كان للنَّص معنى قطعيّ- إلى المعنى المنتَج من خلال العقول البشريَّة المتضاربة، فلا بأسَ للنَّص الواحد أن يكون له معنيان متضادَّان بل أكثر! وعدم وجود معنى نهائي قطعي للنَّص هو ما توصَّلت له الحداثة -من وجهة نظر محمد أركون- بعد صراع طويل مع المسيحيَّة والإسلام -أو الحدَث الإسلامي كما يحلو لأركون أن يسمّي الإسلام!- ومستندُه في ذلك أنَّه في الماضي كلٌّ يدعي وصلًا بالمعنى الحق، وهو ما تلاشى مع الحداثة، ليكون النَّص بلا معنى نهائيٍّ قطعيٍّ له.
 

يقول محمد أركون: «إن مفهوم المعنى يطرح مشكلة بالفعل، فالتنافس عليه عامٌّ وشامل، كلُّ الناس يريدون المعنى ويدّعونه، وكلُّ الفئات الاجتماعية الباحثةِ عن هُويتها تدَّعيه، وكذلك كل المذاهب الفكريَّة تتنافس من أجل اكتشاف المعنى الحقيقي وفرضه؛ أقصد المعنى المشتقّ بشكل صحيحٍ من المصدر التشريعي الأعلى، وبالتالي المؤدِّي إلى المعنى الكلِّي والأخير. هذا ما فعله اللّاهوتيُّون في السابق من كل الأديان والمذاهب عندما اعتقدوا بأنَّهم توصّلوا إلى المعنى الصّحيحِ الوحِيد (كلُّ دين وكل مذهب -بالطّبع- يدّعي امتلاكَ المعنى الوحيد الصحيح لوحده). فالفقهاء واللاهوتيُّون يزعمون أنهم هم وحدَهم القادرون على استخراج المعنى الحقيقي أو الصَّحيح من النُّصوص، وكذلك فعلت الأنظمةُ الميتافيزيقيَّةُ الكلاسيكيَّةُ عندما توهَّمَت بأنَّها توصَّلَت إلى المعنى الكُلّي، إلى غايةِ الغايات، انظُر ما حصل لنِظام أفلاطون وأرسطو وغيرهما.. وأمّا اليوم فقد تغيَّرت الأمور، لم يعُد أحد يقتنعُ بوجود معنىً کليٍّ نهائيّ وأخير، ولم يعُد أحد يستطيع أن يدّعي أنّه يمتلكه، بل إنّ كل من يزعم ذلك رُفِضَ مزعمه بصفته نوعًا من الأيديولوجيا» الإسلام، أوروبا الغرب.. رهانات المعنى وإرادة الهيمنة، لمحمد أركون (ص: ٢٤)، وينظر ما قبلها في تفسير صراع الحداثة مع المسيحية والإسلام. (٨).
 

ثالثًا: الماديّة: وهو المذهب الذي يُرجِع كل شيءٍ إلى المادة، ويحصر طرق المعرفة في الحس، وينكر كل ما سواه ينظر: المعجم الفلسفي (٢/ ٣٠٦) وما بعدها. (٩).

والمادّية غُولٌ تبلعُ كلّ القيم الدينيَّة والأخلاقيَّة، فما الأخلاق في ميزان المادَّة؟ وما الدّين في نظر المادَّة؟ ما هو إلا منتَجٌ بشريٌّ من إفرازاتِ العُقولِ الخائفة من الطبيعة أو من أيِّ شيءٍ آخر.

والمادّية في الأساس معاديةٌ لكل الأديان، يقول لينين عن المادّية: «وهي مادّية -بلا جدال- ملحدةٌ ومناهضة بإصرار لجميع الأديان» نصوص حول الموقف من الدين، للينين، ترجمة: محمد كبَّة (ص: ٩٩). (١٠).

فالمادّية في نفسها لا تدعو إلى احترامِ كلّ الأديان، لكنّها في الحقيقة أصلٌ من أصول التسويةِ بينها، وجعلِها كلِّها على درجة واحدة، ومن هذه الفكرة ينطلق كثيرٌ ممن يسوّي بين الأديان، فيرى أنّ الأديانَ منتَجٌ بشريٌّ، ويجب أن تكونَ على درجة واحدة.

والحداثيُّون وغيرُهم ممن ينادُون بتساوي الأديان قد جمعوا بين هذه الأصول كلها، وكانت نتيجةُ هذا التصور: أنّ كلّ الأديان على طاولةٍ واحدة بالتساوي، فكلُّها تتضمَّن قدرًا من الصَّواب، ولا يوجد دينٌ يتفوَّق على الآخر في حيازَة الحق، وبناءً عليه؛ فإنَّه يجب علينا أن نقبلَ كلَّ الأديان بصُوَرِها الحاليّةِ الواقعيَّة على أنَّها حقٌّ من عند الله، وأنَّها كلَّها طرُقٌ مؤدّيةٌ إلى الله، وأنّها كلَّها يجِبُ احترامُها وعَدَمُ نقدِها واعتقادُ بطلانها.

يقول جون هيك "john hick": «ومن غير المناسب الحديث عن الأديان كأديان خاطئةٍ أو قوميَّةٍ أو ضالّةٍ أو هادية، أو الحديث عنها كنُظُمٍ وأفكارٍ ومعان متنافسة؛ بل الأديانُ عبارة عن تقاليدَ وعلاقاتٍ دينيةٍ تطوّرت داخل تيّار الحياة البشرية، وفي سياق تاريخ الجماعات الإنسانية؛ لتُعبِّـرَ عن التنوُّعِ في أشكال الفِكر، والتعدُّدِ في الطَّبع البشري» التعددية الدينية في فلسفة جون هيك المرتكزات المعرفية واللاهوتية، د. وجيه قانصو (ص: ١١٧) عبر: التعددية الدينية رؤية نقدية. د. محروس محمد محروس بسيوني، مجلة جامعة طيبة للآداب والعلوم الإنسانية، السنة السادسة، العدد ١٢ (ص: ٤٢١). (١١).

فالكُفر -إذن- محترَم، والشِّركُ محترَم، والإلحادُ وإنكارُ وُجودِ الخالقِ فكرةٌ صحيحةٌ يجب احترامُها، بل يجِبُ عدم التعرُّض لها بنقدٍ أو تجريحٍ أو تخطئة، وقِسْ على ذلك كلَّ الأفكارِ الأخرى المناقضةِ للتَّشريعِ الإسلاميّ أصالةً؛ كالكُفر والشِّرك والإلحاد، أو المناقِضَةِ لتشريعاتِ الإسلام، كالشُّذوذ والمُسكِرات والعلاقاتِ المُحرَّمة.

وهذه الفكرة التي يروّج لها الحداثيون في العصر الحديث لا شكَّ أنها مناقضة للعقل، ومناقضة للتشريع الإسلامي، وليس هذا فحسب؛ بل هي مناقضة للأديان نفسها، وهي جناية على الأسس والمعايير المعرفية، ويتبيّن ذلك في الآتي:

مناقضة دعوى الحداثيين للعقل:

أولا: التَّسوية بين الحقِّ والباطل:

فكرة احترامِ كلِّ الأديان واعتقادِ صحتها هدمٌ للمناهج المعرفيَّة السليمة، وذلك بالتسوية بين كل الأفكار، وهذه الفكرة لا يمكن أن تكون صحيحة في كلِّ المعارف وليس في التسوية بين الأديان فقط، فإنه لا يمكن أن يكون الصدق والكذب متساويين، ولا يُمكن أن يكون الوفاء والغدر سيَّين، فكيف لو تمَّت التسوية بين ما هو صحيحٌ وحقٌّ وقامت عشرات الأدلة على صحته وصدقه وبين ما تبيَّن بطلانه وانحرافُه وخطؤه؛ ليس عند المسلمين فحسب بل عند كثيرٍ من العقلاء من غير المسلمين، فكثيرٌ من الديانات أظهرت الأدلة التاريخية دخول التَّحريف فيها، وكثير منها مناقِضٌ للعقل الصّريح، ورغم ذلك فإن هذه الدعوة من الحداثيين تهدم كل هذه الفروق لتسوِّي بين الحق والباطل.

والشريعة الإسلامية قد أوضحت هذا الأمر وبينته، وبينت جنايته على العقل البشري لا على الدين الإسلامي فحسب، وقد ورد دحض فكرة التسوية بين الحقِّ والباطل في آيات كثيرة منها قوله تعالى: أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ‌ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ [الجاثية: ٢١]، وقوله تعالى: أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِينَ ‌كَٱلۡفُجَّارِ [ص: ٢٨]، وقوله تعالى: أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ‌كَٱلۡمُجۡرِمِينَ * مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ [القلم: ٣٥، ٣٦]، وقوله تعالى: مَثَلُ ‌ٱلۡفَرِيقَيۡنِ ‌كَٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡأَصَمِّ وَٱلۡبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِۚ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [هود: ٢٤]، وقوله تعالى: قُلۡ هَلۡ ‌يَسۡتَوِي ‌ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ [الزمر: ٩]، إلى غير ذلك من الآيات.

والتسويةُ بين الحقّ والباطِل ودمجِهِما في بَوتقةٍ واحدَةٍ؛ يعني: هدمَ كُلِّ المعاييرِ السّليمةِ في طريقةِ التَّفكير البشري، فإنَّ الأفكار البشريَّة تتفاضل، فليست فكرة الإجرام كالسرقات والاعتداءات مثل فكرة المحافظة على الممتلكات والإحسان إلى الآخرين، وليس عدم الالتزام بقوانين المرور -مثلا- مثل الالتزام بقوانينه، فإن كانت الدنيا قائمة أصلًا على المفاضلة وتمييز الصحيح من الخطأ والحق من الباطل فكيف يقال في الأديان إنها كلها على درجة واحدة من الصحَّة؟!

وكما تتفاوت طريقة تفكير السفهاء والعقلاء في التعامل مع الأنظمة والقوانين الدنيوية، فكذلك تتفاوت طريقة تفكيرهم في اختيار الدين، وكما أنه لا يمكن تبرير عمل السفيه حين يخرق القوانين الدنيوية فكذلك لا يمكن قبول أي دين يختاره ليلبِّي به رغباته المنحرفة.
 

ثانيًا: تلبيس الحقِّ بالباطل:

الشَّريعة الإسلامية بعد أن بينت أنَّ الخير لا يستوي مع الشر، وأنَّ الحق لا يوازيه باطل، بيَّنت أنَّ مجرد كتم الحق والسكوت عنه هو تلبيسٌ على الناس، فلا توجد مناطق رماديَّة في أصول الإسلام، فإمَّا خيرٌ أو شر، وإما جنة أو نار، وإما إسلام أو كفر، يقول تعالى:يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ ‌تَلۡبِسُونَ ‌ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ [آل عمران: ٧١]، ويقول تعالى: وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ ‌وَتَكۡتُمُواْ ‌ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ [البقرة: ٤٢].

يقول ابن كثير: «يقول تعالى ناهيا لليهود عما كانوا يتعمدونه من تلبيس الحق بالباطل، وتمويهه به، وكتمانهم الحق وإظهارهم الباطل: وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ ‌وَتَكۡتُمُواْ ‌ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ، فنهاهم عن الشيئين معا، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به؛ ولهذا قال الضَّحاك، عن ابن عباس: (وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ)، أي: لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب» تفسير ابن كثير (١/ ٢٤٥). (١٢).

وقال القرطبي: «قوله تعالى: (وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ)؛ اللبس: الخلط. لَبَسْتُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ أَلْبِسْهُ، إِذَا مَزَجْتُ بَيِّنَهُ بِمُشْكِلِهِ وَحَقَّهُ بِبَاطِلِهِ» تفسير القرطبي (١/ ٣٤٠). (١٣).

وهذا كما بيَّنتُ سابقًا من أجل الحفاظ على المعيار الصحيح في التفاضل، فيدعو اللهُ النَّاس إلى أن يعرفوا الحقَّ من الباطل، وأن يُعلوا الحق وشأنه ولا يساووا بينه وبين الباطل، بل ويدعوهم إلى عدم لبس الحق بالباطل وعدم خلطه به، فالحق ينبغي أن يتفرد عن الباطل ويتميز.
 

ثالثًا: التَّشريع للجُرم:

في الدَّعوة إلى قبول كلِّ الأفكار والمعتقدات واعتقاد صوابها: تشريعٌ للإجرام؛ سواء كان في حقِّ الله أو في حقِّ النبي ﷺ أو في حقِّ الناس بعضهم لبعض، والله سبحانه وتعالى قد بيَّن في القرآن الكريم شناعة الكفر كما سيأتي بيانه.
 

ومن يتأمَّل في الأديان يجد أنَّها كلها سِوى الإسلام لا تخلو من كونها إما وثنيَّة شركية أو محرَّفَة بالرغم من كون أصولها صحيحة، وإن وسعنا الدائرة إلى الأفكار سنجد أن معظمها مادّية بحتة تنكر ما وراء الغيب، وتنكر وجود الإله الذي قامت عليه مئات -بل آلاف- الأدلة الصحيحة، والذي معرفته هو أساس المعارف كلها، فأيُّ احترام وتقدير وتصحيح لهذه الأديان والأفكار فهو تشريعٌ للإجرام في حق الله ورسوله، وفي حق المعيار الصحيح لتفاضل الأمور بين الحق والباطل.
 

فهل يستوي من يوحِّد خالق هذا الكون ومن ينكر وجوده؟ وهل يستوي من ينزهه عن مشابهة البشر ومن يرى أنّه ثالث ثلاثة، وأنّ له ابنًا، وأنَّه نزل في رحم امرأة ثم صُلب؟ أليس إجراما عند البشر أن يَغمط أحدُهم حقَّ من أحسن إليه؟ فكيف يرضى الإنسان بالتسوية بين من يعترف بالله وبنعمه وآلائه وبين من ينكره أو ينسب إليه الولد الذي قال الله فيه: تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ‌يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّ [مريم: ٩٠]، تكاد السماوات يتفطرن من هذا القول لكنّ قلب الحداثي واسعٌ له مرحب به؟!

كما أنَّ بعض الأديان -في صورتها المحرَّفة- تبيح التَّعدي بالظلم على أتباع الديانات الأخرى، فاليهود يعتقدون أن َّ لهم الحق في إبادة من سواهم، وهو ما ذكره الله عنهم في كتابه فقال: ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَيۡسَ عَلَيۡنَا فِي ‌ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ‌سَبِيلٞ [آل عمران: ٧٥]، يقول النسفي في تفسيره: «أي تركهم أداء الحقوق بسبب قولهم ليس علينا في الأميين سبيل، أي: لا يتطرق علينا إثمٌ وذمٌّ في شأن الأميين؛ يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب، وما فعلنا بهم من حبس أموالهم والإضرار بهم لأنهم ليسوا على ديننا، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم، وكانوا يقولون لم يُجعل لهم في كتابنا حرمة» تفسير النسفي (١/ ٢٦٦) (١٤)، فتصحيح مثل هذه الديانات تشريعٌ للجرم في حق الله ورسوله، وكذا في حق البشر.
 

رابعًا: دعوة تسقط الشريعة الإسلامية وتشريعاتها:

العلاقة بين الإسلام وغيره من الأديان ليست علاقة تفاضل؛ من باب الأفضل ثمَّ الفاضل، بل من باب الحق الواضح والباطل الصَّريح، فقد قامت عشرات -بل مئات-  الأدلة على صحَّة الإسلام ينظر في موقع مركز حصين مقالًا بعنوان: لماذا الإسلام هو الدين الحق من بين سائر الأديان؟ (١٥)، وفي الوقت ذاته قامت الأدلة على نقض الأديان الأخرى وبيان ضلالها وتحريفها، فالدَّعوة إلى احترام كل الأفكار وتصويبها تعني مناقضة الدين الإسلامي الذي ثبت صحَّته، ولا يمكن الجمعُ بين القول بصحَّة الإسلام وبين القول باحترام وصحة كل الأديان والأفكار الأخرى؛ لأن الإسلام نفسه يبين ضلالها وخطأها!

وقد كان القرآن الكريم واضحًا وصريحًا في الجانبين؛ وهما:

١) بيان أنَّ الحقَّ هو الإسلام.   ٢) بيان بطلان الأديان الأخرى وانحرافها.

أمَّا الجانب الأول، فقد بين الله أنَّ الحق هو دين الإسلام وأنَّه لا يُقبل غيره، وأنَّ الدين عند الله واحد لا متعدِّد كما قال تعالى: إِنَّ ‌ٱلدِّينَ ‌عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ [آل عمران: ١٩]، وقال تعالى: وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ‌ٱلۡإِسۡلَٰمِ ‌دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ [آل عمران: ٨٥]، وحتى لا يتحذلق متحذلق بأنَّ المراد هو مجرد الإيمان بالله بأيِّ ديانة كانت فقد أمر الله باتباع الرسول ﷺ دون غيره، بل أخذ على ذلك ميثاق كل الأنبياء وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ‌ٱلنَّبِيِّـۧنَ ‌لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٨١ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٨٢ أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ[آل عمران: ٨١ - ٨٣]، كما أمر بالإيمان بمثل ما آمن به المخاطبون في قوله: فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي ‌شِقَاقٖۖ ‌فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ [البقرة: ١٣٧]، ومعلوم أنهم آمنوا بالله وبرسوله محمد ﷺ.

أمَّا الجانب الثاني، فهو بيان ضلال وخطأ وانحراف الأديان الأخرى، وهذا تقرؤه في القرآن الكريم من أول سورة إلى آخرها، يقول الله: ٱهۡدِنَا ‌ٱلصِّرَٰطَ ‌ٱلۡمُسۡتَقِيمَ * صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ [الفاتحة: ٦- ٧]، وإيمان العبد لا يصح إلا بالكفر بالطاغوت كما قال تعالى: فَمَن يَكۡفُرۡ ‌بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: ٢٥٦]، ومن الكفر بالطاغوت: اعتقاد بطلان عبادة غير الله، وأنَّ كل دين -بعد البعثة المحمدية- سوى الإسلام فباطل.

ويبين الله بطلان الأديان الأخرى فيقول: لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ‌ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: ٧٣]، ويقول: لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ [المائدة: ٧٢]، ولذلك بيَّن الله الحكمة من إرسال محمَّد ﷺ فقال: تَٱللَّهِ ‌لَقَدۡ ‌أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ * وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ [النحل: ٦٣- ٦٤]، فقد أرسل الله رسوله ﷺ ليُنهي هذا الاختلاف في الدين، فالأديان وقت مبعثه مختلفةٌ متناقضةٌ، والحقُّ فيما جاء به من عند الله ناسخًا لكلِّ الأديان السَّابقة ينظر: تفسير الطبري (١٧/ ٢٣٦). (١٦).

وليست هذه الدعوة مناقضة لأصل الإسلام فحسب؛ بل مناقضةٌ لكثير من تشريعات الإسلام، كإنكار المنكر الذي يقول فيه الله: كُنتُمۡ ‌خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ [آل عمران: ١١٠].

ومناقضةٌ لعقيدة الولاء والبراء التي يقول الله فيها: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ ‌بَعۡضُهُمۡ ‌أَوۡلِيَآءُ ‌بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ [المائدة: ٥١]، ويقول تعالى: لَّا ‌يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ [آل عمران: ٢٨]، ويقول تعالى:يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن ‌دُونِ ‌ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا [النساء: ١٤٤].

كما أنها مناقِضةٌ للأخلاق، فإنَّ التسوية بين كلِّ شيء وادعاء أنَّ كلَّ طرف له وجهة نظر صحيحة يعني الفوضى الأخلاقيَّة؛ سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات، فما الَّذي يجعل الأمر صوابًا دون غيره؟ فالاغتصاب والبيدوفيليا البيدوفيليا، مصطلح يعني: الميول الجنسية تجاه الأطفال. (١٧) والاعتداء أمور صحيحة من وجهة نظر بعض أصحابها، وهي صحيحة من وجهة نظر مادّية لأنَّه لا معنى للخير والشر.

ومناقِضةٌ للعقل البشري؛ لأنَّها تهدم معيار الخير والشر، والحق والباطل، وتسوِّي بين المختلفات، وتناقض الواقع، فإن أيَّ دين لا يمكن أن يكون صحيحا عند أتباعه إلا بإنكار ما عليه الدين الآخر، فلو أنَّ المسيحي صدَّق الرسول ﷺ ورأى أنه على حقٍّ لاتَّبعه؛ لأنه يقول: قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ ‌إِلَيۡكُمۡ ‌جَمِيعًا [الأعراف: ١٥٨]، ولوجب عليه أن يترك دينه الذي ذمَّه ما جاء به محمَّد ﷺ، ولو أنّ اليهودي صدَّق بعيسى عليه السلام وآمن بما قال به المسيح لأصبح نصرانيًّا لا يهوديًّا، ولو أنَّ الملحد قال: «أنا أنكر وجود الله، لكن من يقول إن الله موجود فقوله صحيح» لتناقض، وهذا في سائر الأديان، فالدعوة إلى تصويب كل الأديان واحترامها وتقديرها وجعلها مساوية للإسلام نقض للشريعة، وهدم للنظام المعرفي البشري، وهدم لمعيار الخير والشر.

ولا علاقة لهذا بمفهوم التعايش واحترام الإنسان غير المحارب فإنَّ هذا خلط للمسائل، فالإسلام قد أمر بالبرِّ بغيرِ المحارب، ومع ذلك سمَّى الكفار مجرمين فقال: وَلِتَسۡتَبِينَ ‌سَبِيلُ ‌ٱلۡمُجۡرِمِينَ [الأنعام: ٥٥]، وسمَّاهم ضالّين، كفّارًا، مشركين.

وأعني بهذا أننا حين نقول: إنَّ تصحيح كلِّ الأديان أمرٌ خاطئٌ، وأنَّ الأديان ليست متساوية؛ بل كلُّ الأديان باطلة إلا الإسلام فهو الدين الوحيد الصحيح؛ حين نقول هذا فإنّنا لا نعني بذلك الإضرارَ بالمعاهَدين والذمِّيين من المشركين أو الدعوة إلى قتلهم أو إيذائهم، فلا علاقة بين نقض إيمانهم وعدم تصحيحِه وتخطئةِ أديانهم وبينَ التعامل الدنيويِّ الذي له ضوابط شرعيَّةٌ متعدِّدة مذكورة في كتب المسلمين، فعلى المرءِ أن يضعَ الأمور في موازينها الصحيحة ولا يخلطَ بين الحق والباطل ليزيّنَ للناس دعوته التي يدعو إليها.
 

هل الكفر منهجٌ عقلاني؟

بعد أن بيَّنت أنَّ دعوى الحداثيين في احترام كلِّ الأديان وتصحيحها؛ دعوىً مناقِضةٌ للعقل وللمعيار السليم للأخلاق ومعرفة الخير والشر، أبِّين الآن مناقَضَة الكفر نفسِه للعقل، فالدَّعوة إلى تصحيح كلّ الأديان مناقضة للعقل، وكذلك الكفر نفسه مناقضٌ للعقل؛ وهو أحد الأسباب الكبرى التي تجعلنا نقول بصحَّة دينٍ واحد وإبطال الأديان الأخرى المناقضة للعقل.

وكثيرًا ما يتشدَّق الملاحدة منكرُو وجودِ الله بالمنهج العقلي، إلا أنَّ الأفكار الإلحادية والكفرية حين نضعها في الميزان العقليِّ العلميِّ ندرك أنها مبنيَّة على ثغرات كبيرة لا يمكن والحالة هذه أن تكون متسقةً مع العقل، بل هي مناقضة له، وكما أن إنكار وجود الله مناقضٌ للعقل فكذلك عبادة آلهة بالطريقة التي لم ينزلها الله، فالأديان التي تدَّعي عبادة آلهة معينة -خاصة اليهودية والنصرانية- لا يكفيها أنَّها تعبد إلهًا حتى نحترم أفكارها وعقائدها ولا نشنِّع عليها حسب ما يريده الحداثيُّون، بل هي الأخرى مناقضة للعقل وفيها تنقصٌ من الله العظيم، وكلُّ من ترك الإسلام وراح يبحث عن الهدى والحق في أيِّ دين آخر فهو كمن يجري خلف سرابٍ يظنُّه ماءً! 

ويتبين مناقضة الكفر للعقل في الآتي:

أولًا: وضوح الأدلة الإيمانية:

إنَّ ممَّا يبيِّن شناعة الكفر وأنَّه ظلمٌ للنَّفس: وضوح الأدلَّة الإيمانيَّة الدَّالة على وجود الله واستحقاقه للعبادة، فالأدلَّة الدالَّة على وجود الله واستحقاقه للعبادة كثيرةٌ متنوعة ما بين أدلة قرآنية وعقلية وكونية، ولا شك أنَّ كل شيء كثرت عليه الأدلة ثم خالفه أو جحده أحدٌ فإنَّه يعظم الإنكار عليه، وبقدر كثرة الأدلة يَعْظُم الإنكار، ألا ترى أنَّ أحدَهم لو دخل مبنى فوجد تحذيرًا في كلِّ مكان من دخول غرفة ما ثم اقتحم الغرفة مع ذلك ألا يكون جرمه شديدًا؟

إنَّ الإنسان في الدنيا يلتزم بالأمور لدليلٍ واحد يراه أمامَه وبه تقوم الحجة عليه فكيف يجحد الإنسانُ وجودَ الله أو يكفر به أو يشرك معه غيرَه وهو يرى الأدلَّة في كلِّ مكان؟

فكثرة الأدلَّة تُوجب الاعتراف بوجودِ الله، وجحود ذلك مع كثرة الأدلَّة أمرٌ مستقبحٌ عقلًا، كما أنَّ كثرة الأدلة الدالة على صدقِ النبي ﷺ وصحَّة الإسلام توجب تصحيح دين الإسلام دون غيره، فإذا كان الإسلام قد قامت الأدلة الكثيرة على صحَّته فإنَّ الكفر لا شكَّ أنَّه ظلمٌ للنفس بإبعادها عن المنهج الصحيح، وهو أمرٌ شنيع لأنه انصرافٌ عمَّا صحت أدلته إلى ما صحت الأدلة على بطلانه، وبناء عليه؛ فأي دعوة إلى احترام الباطل والخطأ وتصويبه هي دعوة مخالفة للعقل السليم.
 

ثانيًا: أن الشرك لا برهان له:

ذكرت أنَّ ممَّا يبيِّن شناعة الكفر والشرك: كثرة الأدلة على وجود الله واستحقاقه للعبادة وصحة الإسلام، وكذلك في الجانب الآخر: لا توجد أدلَّة صحيحة على عدم وجود الله، وعلى صحَّة الإشراك بالله، فحتى الإلحاد ينقسم إلى موجَبٍ؛ وأصحابه يدَّعُون امتلاك أدلة تدل على عدم وجود الله، وإلحاد سلبي -وهو الأكثر- وهم الذين يرون أنه لا توجد أدلة كافية على وجود الله لكن لا يملكون أدلة على عدم وجوده، فهؤلاء، أعني: أصحاب الإلحاد السلبي لا يملكون أدلَّة على كفرهم وجحودهم، وحتى أصحاب الإلحاد الإيجابي الذين يدَّعون وجود أدلة على عدم وجود الله؛ مجرد إنكارهم هذا دليلٌ على أن عدم وجود الله ليست قضية ضرورية مركوزة في الفطر ينظر: ثلاث رسائل في الإلحاد والعلم والإيمان، للدكتور: عبد الله بن سعيد الشهري (ص: ٢٤٦). (١٨)، بل هو يتصور خالقًا ثم يرفضه، بل نجد أنه كثيرا ما يُسند الخلق والإيجاد والإتقان إلى الطَّبيعة أو القوانين؛ فهو يؤمن بوجود شيءٍ خارجٍ عن هذا الخلق هو الذي تسبَّب في هذا الخلق لكنه يأبى أن يعترف بأنَّه هو الله، وكذلك معظم المشركين يعترفون بأنَّ أصنامَهم تابعة لإله أعظم؛ وهو الله سبحانه وتعالى، ويدَّعون أنَّ أصنامهم شفعاء عند الله دون أن يقدموا أدلة عقليَّةً صحيحة تجعل هذه الآلهة شفعاء، وبناءً على هذا فإنَّ العقل الضروري أولًا لا يقتضي عدم وجود الله بل هو يقتضي وجوده، ثم إنَّ العقل لا يقرِّر جعل شفعاء عند الله بهذه الأصنام التي لا تضرُّ ولا تنفع، فاتضح أنَّ الملاحدة والمشركين لا دليل لهم على جحودهم وشركهم.

وقد أشار القرآن الكرم إلى هذا فقال تعالى:فَتَعَٰلَى ‌ٱللَّهُ ‌ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡكَرِيمِ * وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ [المؤمنون: ١١٦-١١٧]، يقول السعدي موضحًا هذا المعنى: «أي: ومن دعا مع الله آلهة غيره بلا بينةٍ من أمره ولا برهان يدلُّ على ما ذهب إليه، وهذا قيد ملازم، فكلُّ من دعا غير الله فليس له برهانٌ على ذلك، بل دلَّت البراهين على بطلان ما ذهب إليه فأعرض عنها ظلمًا وعنادًا» تفسير السعدي (ص: ٥٦٠). (١٩).
 

ثالثًا: الشرك ظلمٌ عظيم:

الشِّرك بالله بعد أن يتبين أنَّه هو الخالق الرازق= ظلمٌ عظيم للنفس، وذلك لأنَّ الإنسان بإشراكه مع الله غيره يُبعد نفسه عن الفعل الصحيح الذي هو عبادة الله وحده وشكره وحده، كما أنَّه بالكفر والشِّرك يناقض فطرته التي فُطر عليها، ويذلُّ نفسه لمخلوق مثله بعد أن أكرمه الله ودعاه إلى الخضوع له وحده.

وقد أشار القرآن الكريم إلى أنَّ الشرك ظلم عظيم، فقال تعالى: إِنَّ ٱلشِّرۡكَ ‌لَظُلۡمٌ ‌عَظِيمٞ [لقمان: ١٣]، ووجه كونه ظلمًا -كما بينت- أنَّ الإنسان يتقلب بنعم الله ويعرف أنَّ الله هو الخالق الرازق ثم يذهب يشرك معه غيره، يقول السعدي: «إِنَّ ٱلشِّرۡكَ ‌لَظُلۡمٌ ‌عَظِيمٞ ووجه كونه عظيمًا: أنه لا أفظع وأبشع ممن سوَّى المخلوق من تراب بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئا بمن له الأمر كله، وسوَّى النَّاقص الفقير من جميع الوجوه بالربِّ الكامل الغنيِّ من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة من النِّعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم وأخراهم وقلوبهم وأبدانهم إلا منه، ولا يصرف السُّوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظُّلم شيء؟! وهل أعظم ظلما ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده فذهب بنفسه الشريفة فجعلها في أخس المراتب؛ جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا، فظلم نفسه ظلمًا كبيرا» تفسير السعدي (ص: ٦٤٨). (٢٠).
 

رابعًا: ألا يستحق الخالق المُنعم أن يفرد بالعبادة؟

هناك أدلَّة كثيرة على أنَّ لهذا الكون خالقًا، وأنه خالقٌ واحد، فإذا ثبت أنَّ الخالق هو الله سبحانه وتعالى صار الشرك به قبيحًا غير مقبول عقلًا؛ ذلك لأنَّ من لا يخلق لا يستحقُّ أن يكون إلهًا يُعبد فضلًا عن أن يُسَّوى بالله، وبهذا نعرف بطلان كثير من الأديان الموجودة اليوم والتي تتخذ من الأصنام آلهة لها.

وقد أفاض القرآن الكريم في ذكر ربوبيَّة الله واستحقاقه وحده للعبادة، وهو ما يعني أنَّ صرف العبادة لغير الله أو جحود وجوده أو جحود استحقاقه للعبادة=كل هذا تنقُّصٌ من هذا الخالق العظيم، وهذا يكفي في بيان شناعة الكفر شرعًا وعقلًا، فلو طرحت سؤالا: هل الذي يستحقُّ العبادة هو الخالقُ المدبِّرُ المالكُ الرَّازقُ المحيي المميت؟ أم من يخلو من هذه الصِّفات كلها ولا يملك تصرفًا في الكون ولا تدبيرًا؟ العقل السليم سيخبرك مباشرة بأنَّ المستحق للعبادة هو ذاك المدبِّر المحيي المميت، وبالتالي فإن الكفر والشرك بهذا الإله مستقبحٌ عقلًا؛ بل هو تمرد على أوضح وأحكم حكمٍ عقلي باستحقاق الله وحده للعبادة، فجناية الكفر ليست على النَّفس فقط بل على العقل البشري الذي يقتضي عبادة الرب الخالق المدبر.

ونجد أنَّ القرآن الكريم قد ركَّز كثيرا على هذا النوع من الأدلة، يقول تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ * ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ‌فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ [البقرة: ٢١- ٢٢]، ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد ربط ربوبيته وخلقه وإنعامه باستحقاقه للعبادة، فَمَن هذا شأنه لا يمكن أن يشرك به عاقل، وهو ما أكد عليه أيضًا في آيات سورة النمل، يقول تعالى: أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ ‌حَدَآئِقَ ‌ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦٓۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ * أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ [النمل: ٦٠ - ٦٤].

فالله هو الخالق المدبر المنعم بهذه النعم فتعالى الله عما يشركون؛ لأنهم يشركون به من لا يملك هذه الخصائص، فمن لا يخلق، كيف يُعبد؟
 

الكفر في نظر الدين الإسلامي:

أمر الله بالاستسلام لله وحده، وعبادتِه وحده لا شريك له، وقد تحدَّثت نصوص الشريعة عن الإسلام بأنه المنجِّي في الدنيا والآخرة، كما أنَّ الإسلام لله وحده والتعبد له هو الذي يورث الإنسان حياة طيبة كما يقول تعالى: مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ ‌وَهُوَ ‌مُؤۡمِنٞ ‌فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [النحل: ٩٧].

وقد نظر الإسلام إلى الكفر والشرك بالله سبحانه وتعالى على أنَّه جريمةٌ كبرى يرتكبها الإنسان في حقِّ نفسه ومجتمعه، وهذه المسألة من أوضح المسائل التي جاءت بها الشريعة، ومن محكَمات الدّين، فإنَّ الكفر نقيضُ الإسلام الذي جاء مخلِّصًا للبشريَّة من الشرك والكفر، فأساس دعوة الإسلام هو نبذ الكفر والشرك، والدَّعوة إلى تقبُّل الكفر لا يستقيم مع الإسلام، ولا مع العقل.

وقد نبَّهت الشريعةُ إلى قبح الكفر وشناعته في القرآن الكريم بطرقٍ كثيرة، فالهوَّة كبيرةٌ بين من يسلم أمره لله، وبين من يجحد وجوده أو استحقاقه للعبادة، وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذه الهوَّة الكبيرة فقال تعالى: وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا ‌خَرَّ ‌مِنَ ‌ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ [الحج: ٣١]، هذه هي المسافة التي بين الإنسان السَّوي المستقيم وبين من يقع في وحل الكفر والشرك بالله سبحانه وتعالى وهي الحقيقة التي أرادت الشريعة أن تُبِين عنها بأبين الطرق وأوضحها.

وقد أولى القرآن الكريم موضوعَ التَّفريق بين الإيمان والكفر اهتمامًا بالغا؛ لأنَّ من يفقد الفرقَ بين الاثنين ستضيع بوصلته في كثير من القضايا، ويخلط بين التعامل الدنيوي الخالص وبين الرّضا عن العقيدة التي هي حقٌّ لله لا للعباد، ومتى ما استلم البشر هذه المهمة نرى هذا التنزُّلَ للكفر والشرك وأهله، ثم ينجرُّ المجتمع كله نحو الهاوية الحتميَّة للكفر!

فالكفر والإيمان أمور قطعيَّة في الشرع الإسلامي وثمَّة مسائل كثيرة تتعلّق بهما، مثل: الولاء والبراء، والترحّم على الأموات، والزّواج، والتهنئة والرّضا بالمناسبات الدينية، وغير ذلك؛ لذلك اهتمّ القرآن اهتمامًا بالغًا بالتفريق بين الإيمان والكفر ووضع الخطوط الفاصلة بينهما بوضوح وقطعيَّة، فلا تكاد تقرأ سورةً من السور مكية أو مدنية إلا وتجد الحديث عن الكفر أو ما يناقضه أو أهله أو مصيرهم.

ويعني هذا أنَّ المسلم لا يساوي بين الحق والباطل بل يضع كل شيء موضعَه، فلا يمكن أن يقبل الاعتقادات الباطلة؛ لأنَّ هذا هو التعامل الصحيح مع القضيّة دينيًّا ومعرفيًّا، فلا يصحُّ الخلط بين الحقّ والباطل، والصَّحيح والخطأ، وتعاملُ المسلم بناء على هذا هو حفاظٌ على تميُّز المسلمين، وليس هذا فحسب بل هو حفاظٌ على معيار الخيريَّة والصحَّة في الدنيا، فهو يحافظ على المنهج المعرفيّ السليم الصحيح في التعامل مع الأمور.

ومن العجب أن من ينادي إلى قبول المعتقدات الأخرى واحترامها وعدم نقضها يُقرُّ بأن الحياة لا يمكن أن تسير بالنسبيَّة المطلقة، أو باعتبار الخطأ صوابًا لأن هناك من يعتقده صوابا، فهذه الفكرة لا يطلقونها إلا على الأديان لتذويب الفروق بينها، ولا يخفى ما في ذلك من هضم حقوق الديانة الصحيحة الحقَّة الثابتة بالأدلة.
 

ويمكن بيان الطرق التي بيّن بها القرآن قبح الكفر وشناعته في الآتي:

أولا: العقابُ الدنيوي:

فالله سبحانه وتعالى قد أبقى لأهل الأرض آثار أقوام كفروا بالله، وقد قصَّ علينا في كتابه من ذلك قصصًا عديدة، وهذا يدل على أن الإسلام ينظر إلى الكفر والشرك على أنهما جريمة لا يُعاقب عليها في الآخرة فحسب بل يصيب الله من يريد من الكفار بعقاب من عنده في الدنيا ظاهر وباطن، جسدي أو قلبي أو نفسي.

وقد ذكر الله عذاب الأمم في القرآن، فقال عن قوم عاد: فَلَمَّا رَأَوۡهُ ‌عَارِضٗا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِيَتِهِمۡ قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٞ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِۦۖ رِيحٞ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٞ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۭ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ [الأحقاف: ٢٤-٢٥]، وقال عن قوم ثمود:وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي ‌دِيَٰرِهِمۡ ‌جَٰثِمِينَ * كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ [هود: ٦٧- ٦٨]، وقال عن قوم لوط: فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ ‌مُشۡرِقِينَ * فَجَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٍ [الحجر: ٧٣-٧٤].

فذكر الله هذا الإهلاك في كتابه، وأبقى بعض آثارهم في الدنيا؛ حتى يعتبر من رآها ويدرك أن الكفر يستحق عقوبة في الدنيا والآخرة، يقول الله حاثًّا على التدبر والتأمل في أحوال قوم لوط: وَإِنَّكُمۡ لَتَمُرُّونَ عَلَيۡهِم ‌مُّصۡبِحِينَ * وَبِٱلَّيۡلِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ [الصافات: ١٣٧-١٣٨]، يقول الطبري: «يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: وإنكم لتمرون على قوم لوط الذين دمرناهم عند إصباحكم نهارا وبالليل...وقوله: (أَفَلَا تَعۡقِلُون) يقول: أفليس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكرون فتعلمون أنَّ من سلك من عباد الله في الكفر به وتكذيب رسل مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط؛ نازل بهم من عقوبة الله مثل الذي نزل بهم على كفرهم بالله وتكذيب رسوله، فيزجركم ذلك عما أنتم عليه من الشرك بالله، وتكذيب محمَّد عليه الصلاة والسلام» تفسير الطبري (٢١/ ١٠٥). (٢١).

ويقول ابن القيم مؤكّدًا على هذ المعنى، وأنَّ الكافر يستحقّ العقاب الدنيوي والأخروي، يقول: «وهو سبحانه يذكر في سورة الشعراء ما أوقع بالمشركين من أنواع العقوبات، ويذكر إنجاءه لأهل التوحيد، ثم يقول:نَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ ‌أَكۡثَرُهُم ‌مُّؤۡمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ[الشعراء: ٨-٩]، فيذكر شرك هؤلاء الذين استحقوا به الهلاك، وتوحيد هؤلاء الذين استحقوا به النجاة، ثم يخبر أن في ذلك آيةً وبُرهانًا للمؤمنين» يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن ‌دُونِ ‌ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا .
 

ثانيًا: المصير الأخروي:

من أعظم ما يبيِّن فداحة الكفر وجنايتَه على صاحبه: ما توعَّد الله به أصحاب الكفر بأنهم مخلَّدون في النار، يقول الله مبيِّنًا حال أهل الكفر يوم القيامة: إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ ‌وَمَأۡوَىٰهُ ‌ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ [المائدة: ٧٢]، فنصَّ الباري على دخولهم النار، وحرمانهم من الجنة، كيف لا وقد ارتكبوا أعظم ظلم كما في قوله تعالى: إِنَّ ٱلشِّرۡكَ ‌لَظُلۡمٌ ‌عَظِيمٞ [لقمان: ١٣]، ويقول تعالى مبينا حال الكفار في الآخرة: إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ ‌نُصۡلِيهِمۡ ‌نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا [النساء: ٥٦].
 

ثالثا: أن الله لا يغفر الشرك:

فمن عظم نكارة الكفر والشِّرك أن الله الذي وسعت رحمته كل شيء نصَّ في الكتاب العزيز على أنه لا يغفر الشرك، يقول تعالى: فَتَعَٰلَى ‌ٱللَّهُ ‌ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡكَرِيمِ * وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ [النساء: ١١٦].

 

رابعًا: الكفر محبط للأعمال:

قال الله لنبيه ﷺ: وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ ‌لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ [الزمر: ٦٥]، وقد بين له أن هذا وحي من الله له وللأنبياء من قبله عليهم السلام، يقول السعدي رحمه الله: «الشرك بالله محبط للأعمال، مفسد للأحوال، ولهذا قال: (وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ) من جميع الأنبياء (لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ ‌لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ) هذا مفرد مضاف يعم كل عمل، ففي نبوة جميع الأنبياء أن الشرك محبط لجميع الأعمال، كما قال تعالى في سورة الأنعام لما عدد كثيرا من أنبيائه ورسله قال عنهم: ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ ‌لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [الأنعام: ٨٨]، (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ) دينك وآخرتك، فبالشرك تحبط الأعمال، ويستحقُّ العقاب والنكال» تفسير السعدي (ص: ٧٢٩). (٢٣).

 

خامسًا: لا تنفع عبادة مع الشرك:

فمهما عمل الإنسان من أفعال دون أن يؤمن بالله فإنها لا تغني عنه، وقد نص الله أن من شروط قبول العمل: الإسلام، قال تعالى:وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا ‌سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا [الإسراء: ١٩]، ويقول تعالى: وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ‌مِن ‌ذَكَرٍ ‌أَوۡ ‌أُنثَىٰ ‌وَهُوَ ‌مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا [النساء: ١٢٤]، ويقول تعالى: مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا ‌مِّن ‌ذَكَرٍ ‌أَوۡ ‌أُنثَىٰ ‌وَهُوَ ‌مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [النحل: ٩٧].

 

وأخيرًا:

يموِّه الحداثيّون الحقائق، ويخلطون الحقّ بالباطل، ويشنِّعون على من ينتقد الكفر والشرك والإلحاد، ويرون أن الأديان كلها على درجة واحدة، وكلُّ واحدٍ منها مصيب للحق، بل تراهم لشدة هوانهم على أنفسهم يُطأطئون رؤوسهم حين يسمعون نصوصًا عن الكفر والشرك، ويرفعون أصواتهم في كلّ محفلٍ بأن الدين الآخرَ ليس كفرًا، وتسميته كفرًا مَساسٌ بالحرّية الشخصية والنّسبية في الحق، بينما هذِه خمس طرقٍ بيّن بها القرآن الكريم شناعةَ الكفر وأنه تنقُّصٌ من الله العظيم، ومن العقل السليم، والقرآن الكريم قد أبان بوضوح أنَّ غير المسلم كافر، وسماهم كفارًا، وأهلَ ضلال، وظالِمين، يقول تعالى: وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ ‌ٱئۡتِ ‌ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ [الشعراء: ١٠]، ويقول تعالى: أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ‌ٱلۡكَٰفِرُونَ ‌حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا [النساء: ١٥١]، ويقول: ٱهۡدِنَا ‌ٱلصِّرَٰطَ ‌ٱلۡمُسۡتَقِيمَ * صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ [الفاتحة: ٦، ٧].

فكتابُ الله واضح بيّن، لا يقبل الله غير الإسلام، ولا دينَ صحيحًا غيرُ الإسلام، والإسلامُ وأهله أعزاء، لم يأمرهم الله بالذلة للأديان الأخرى.

 

ونظرة المسلمين للكفر والأديان الباطلة نظرةٌ واضحةٌ صحيحةٌ متّسقةٌ مع العقل السليم، وهذا الوضوح والبيان تنبني عليه آثار عظيمة، من أهمها:

١) وضوح الحقّ لسالكيه، فإن المسلم يعرف الحقَّ المدعم بالأدلة العقلية ويسير على هذا الحق، ولا يرضى أن يمتزج بباطل الأديان الأخرى.

٢) أنّ في إنكار الأديان الأخرى والإنكار عليها وبيان انحرافها وبيان شناعة الكفر حِفاظٌ على الدّين الحقّ من أن يُخلط بغيره، فهذا الدين عزيز صحيح قامت الأدلة على صحته ولا يمكن أن يوضع في بوتقة واحدة مع أي دين أو فكرة أخرى.

٣) إقامة شعائر الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصيحة، فإن المسلم على خير ينبغي له أن يهديَه لغيره، فيأمرهم به، وينهاهم عن باطلهم.

٤) وضوح المعيار، فالمسلم بتفريقه بين الإسلام والكفر وعدم قبول الكفر، بل وبالإنكار عليه، يرسم معيارًا صحيحًا للتفريق بين الحق والباطل والخير والشر.

٥) إقامة دين الله في الولاء للدين الإسلامي وأهله، والبراءة من الشرك وأهله، وهي قضية عقدية عظيمة ينبغي أن ترسخ في نفوس المسلمين، فإن المسلم عزيز بإسلامه، وينبغي عليه أن يتبرأ من الأعمال الكفرية التي يراها في محيطه، ويسعى إلى الإصلاح، وإلى تغييرها وتبديلها، كل هذا لأنه يعتقد اعتقادًا جازمًا أنه على الحق الواضح المبين.
 

وصلّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

شارك المحتوى: