عنوان الخطبة: أين إجابة الدعاء؟
عناصر الخطبة:
١- وعد الله عباده بإجابة الدعاء.
٢- معنى إجابة الدعاء.
٣– موانع استجابة الدعاء.
٤- الدعاء هو العبادة.
الحمدُ للهِ القريبِ المُجيبِ، بَسَطَ يَدَهُ بالفَضلِ والعَطاءِ، وعمَّ بِجُودِهِ أهلَ الأرضِ والسَّماءِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، فاتقوا اللَّهَ عبادَ اللَّهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبادَ الله:
هل سمعتُم عَن أَشرَفِ نِداءٍ كُلَّ ليلةٍ؟
يَقولُ النبيُّ ﷺ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟».
صحيح البخاري (١١٤٥)، وصحيح مسلم (٧٥٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١)
الله هو الربُّ الملك الغنيُّ، الأكرمُ الوهّاب، صاحبُ الخزائِن التي لا تَنضَب، يدُه سَحّاءُ اللَّيلَ والنَّهارَ، لا تَنْقُصها النَّفقَةُ، يُعطي عبادَه تكرُّمًا وفضلًا، لا يبتغي منفعةً ولا عِوَضًا.
يقولُ تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ [الحجر: ٢١].
ويقولُ سبحانه في الحديث الإلهيّ: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ». صحيح مسلم (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه. (٢)
هوَ الـجَوَادُ، المَنَّانُ، البَرُّ، عَظِيمُ الإِحْسَانِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ جَوَادٌ يُحِبُّ الـجُودَ». مصنف ابن أبي شيبة (٢٦٦١٧)، من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٤/١٦٩). (٣)
ولأنه ربُّ العالمين، الغنيُّ الكريمُ الصَّمَد، فقد أمَرَ عِبادَهُ بدُعائِه وحدَه لا شريكَ له، لأنَّ له وحدَه كلَّ شيء، قالَ سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر: ١٤].
وَقَدْ وَعَدَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ الدَّاعِينَ بِالإِجَابَةِ، فقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: ١٨٦].
ورَغمَ أنّهُ لا أحدَ أوفَى بوَعدِهِ وعهدِهِ منَ اللهِ، تجدُ الشيطانَ الكَذوبَ الغَرورَ، ينفُثُ وَساوسَهُ في النّاسِ ليُسيءَ ظنَّهُم بربِّهِم، ويَصُدَّهُم عن دُعائِهِ والتَّضرُّعِ إلَيهِ، قائلًا: إلى متى تَدعُو رَبَّكَ، وقد دَعَوتَهُ وسَألتَهُ فلم يُعطِكَ سُؤْلَكَ؟ أَلَم يَعِدِ اللهُ من دَعاهُ بالإجابةِ؟ فأينَ إجابةُ الدُّعاءِ؟
ونحن نقولُ للشَّيطانِ: اخسَأْ، فلَن تَعْدُوَ قَدْرَكَ، بلِ اللهُ هوَ القريبُ المجيبُ، القائلُ وقَولُهُ الحقُّ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر: ٦٠].
لكنِ السِّرُّ في أن تفقَهَ معنى إجابةِ الدُّعاءِ.
إنّ المسلمَ يؤمنُ بربِّهِ ذي الكمالِ والـجَلالِ، يؤمنُ بهِ وبأسمائِهِ وصفاتِهِ، وأفعالُ اللهِ من آثارِ أسمائِهِ وصفاتِهِ، فاللهُ يخلُقُ ويرزُقُ، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويُعطي ويَمنَعُ، ويَقبِضُ ويَبسُطُ، ويَخفِضُ ويَرفَعُ، ويُقدِّرُ الـمَرضَ ويَشفِي السَّقِيمَ، ويَسترُ ويُخزِي، ويُعافِي ويَبتَلِي، ويَعفُو ويُعاقِبُ، كلُّ هذهِ الأفعالِ من الرَّبِّ العَلِيمِ الحَكِيمِ القَدِيرِ، الواسِعِ الرَّحِيمِ، الحَمِيدِ المَجِيدِ السَّلَامِ، فَما مِن فِعلٍ مِن أفعَالِهِ سُبحانَهُ إِلَّا كَانَ عَن عِلمٍ وَحِكمَةٍ وَعدْلٍ وَقُدرَةٍ، سَلِمَ مِن النَّقَائِصِ وَالعُيُوبِ، وَاستَحَقَّ عَلَى كُلِّ فِعلٍ أَعظَمَ الحَمدِ وَأَتَمَّهُ.
ثمّ اعلمْ – عبدَ اللهِ – أنَّ اللهَ يفعلُ ما يشاءُ هوَ وحدَه، لا ما يشاءُ خَلْقُه، لا يُسألُ عمّا يَفعلُ وهم يُسألون، وهوَ سبحانه فعّالٌ لما يريد، وعندما وعدَ خلقَهُ بكشفِ الكَرْبِ والبَلاءِ، علّقَ ذلكَ على مشيئتِه فقال: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [الأنعام: ٤٠-٤١].
ثمَّ اعلمْ أنَّ إجابةَ اللهِ عبادَهُ الداعينَ تعني أوّلًا: أنَّهُ سَمِعَ دُعاءَهم، ورأى تضرُّعَهم، فهو –سبحانه– الشهيدُ السّميعُ القيوم، الذي لا يَعزُبُ عنهُ مثقالُ ذرّةٍ في السّماواتِ ولا في الأرض، وهوَ السّميعُ البصير، ثمّ وعدَهُم إنْ دعَوهُ سبحانَه بقلوبٍ مؤمنةٍ خالصةٍ حاضرةٍ غيرِ لاهيةٍ، بإحدى ثلاثٍ، كما أخبرَ نبيُّنا ﷺ، حيثُ قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا». قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ! قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ». مسند أحمد (١١١٣٣)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (٥٥٠). (٤)
لقد أخبرَنا نبيُّنا ﷺ بأنَّ نتيجةَ الدعاءِ أحدُ أمورٍ ثلاثةٍ:
الأوَّل: أن يُعطيَ اللهُ العبدَ طِلْبتَهُ، ويُحقِّقَ لهُ أُمنِيّتَه، وهذا هوَ الأصلُ الكبيرُ الواسعُ، إلَّا أنَّهُ يكونُ في الوقتِ الذي قدَّرَهُ اللهُ بعلمِهِ وحِكمتِهِ، فإنَّهُ سبحانهُ قد يُؤخِّرُ تحقيقَ طَلَبِ العبدِ لحِكمةٍ باهِرةٍ أحاطَ بها اللهُ، فانظُرْ كيفَ أنَّ دعوةَ المظلومِ التي ليسَ بينها وبينَ اللهِ حجابٌ يقول الله فيها: «وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ». جامع الترمذي (٣٥٩٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٨٧٠). (٥)
وَمِنْ حِكَمِ اللهِ تعالى ابتلاءُ عبادِهِ، ليعلَمَ مَن يثقُ بهِ سبحانَهُ ممَّنْ يُسيءُ بهِ الظنَّ، ويَرى مَن يصبِرُ على بَلائهِ ممَّنْ يتسخَّطُ ويجزَعُ، وَيميزَ مَن يثبُتُ على شرعِ اللهِ وإنْ تأخَّرَ البلاءُ ممَّنْ يستبطِئُ الفرَجَ فيتوجَّهُ إلى الحرامِ، فقدْ يؤخِّرُ اللهُ الإجابةَ والفرَجَ ليأتي المطلوبُ وقدْ ظهرَ إيمانُ المؤمنِ وطِيبُ معدنِهِ.
الثاني: أن يصرِفَ اللهُ عن العبدِ من السوءِ مثلَها، كأنْ يدفعَ عنه ضَرًّا شديدًا، أو بلاءً عظيمًا.
الثالث: أن يدَّخِرَ له دعوتَهُ في الآخرةِ، فيَجْزيَهُ بها أعظمَ الثوابِ والأجرِ، ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾.
واللهُ إذا أجابَ دُعاءَ عَبدِه، يختارُ لهُ مِن هذهِ الثَّلاثة ما يعلَمُ أنَّهُ الأنفعُ والأصلحُ لَه وفقَ حِكمَتِه، لأنَّ العَبدَ التجأَ إليه، وهُوَ ربُّه الوليُّ الحمِيد.
ولذلك فإنَّ إعطاءَ اللهِ العبدَ أو منعَهُ ما سألَ قدْ يكونُ رحمةً بهِ، فقدْ يرحمُ سبحانَهُ عبدَهُ بمنعهِ ما سألَ، كما أخبر سبحانه:وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا [الإسراء: ١١]، فكمْ من أمرٍ أحبَّهُ الإنسانُ وتاقَت نفسُهُ إليهِ وهو مَحْضُ هلاكِه، لكنَّهُ لا يدري، كما قال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[البقرة: ٢١٦].
فيكونُ عدمُ إجابةِ الطَّلَبِ الذي دعوتَ اللهَ بهِ هو محضُ فضلِ اللهِ ورحمتِه بك، يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَهُمُّ بِالْأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ وَالْإِمَارَةِ حَتَّى [إذا تَيَسَّرَ] لَهُ، نَظَرَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: اصْرِفُوا عَنْهُ فَإِنِّي إِنْ يَسَّرْتُهُ لَهُ أَدْخَلْتُهُ النَّارَ» شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (١٢١٩)، ورواه عثمان الدارمي في الرد على الجهمية (ص ٥٥)، وقواه الألباني في مختصر العلو (٥٠). (٦)
ثُمَّ قدْ يكونُ مَنْعُ اللهِ العبدَ ما سألَ، لأنَّ العبدَ هو العَقَبةُ في وصولِ ذلك الخيرِ إليهِ، إذْ قدْ قامَ بهِ مانعٌ من موانعِ إجابةِ الدعاءِ، فإنَّ النبيَّ ﷺ أخبرَنا عن عدةِ أمورٍ تمنعُ إجابةَ الدعاءِ، ومنها:
أنْ يكونَ العبدُ غافلًا لاهيًا حالَ دعائِه، فإنَّ النبيَّ ﷺ قال: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ». جامع الترمذي (٣٤٧٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (٢٧٦٦). (٧)
ومِنْها: أنْ يكونَ العبدُ قدْ دعا اللهَ بإثمٍ أو قطيعةِ رحِمٍ، فهلْ يُستجابُ لمِثلِ هذا؟!
يقول النبيُّ ﷺ: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ». صحيح مسلم (٢٧٣٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٨)
ومِنْها: أكلُ الحرامِ كالرِّبا، وبيعِ المحرَّماتِ، وأكلُ أموالِ الناسِ بالباطلِ كالسَّرقةِ والرِّشوةِ والخداعِ، فإنَّ النبيَّ ﷺ ذَكَرَ «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ»، قال: «فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» صحيح مسلم (١٠١٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٩)
ومِنْها: التعجُّلُ، فإنَّ اللهَ قدْ يُعاقِبُ العبدَ باستبطائِهِ إجابةَ الدعاءِ كأنَّهُ يُجرِّبُ ربَّهُ، كما أخبر النبيُّ ﷺ فقال: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي!» صحيح البخاري (٦٣٤٠)، وصحيح مسلم (٢٧٣٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١٠)
ومنها: الاعتداءُ في الدعاء، فإن الله تعالى قال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[الأعراف: ٥٥].
وصورُ الاعتداءِ في الدعاءِ كثيرةٌ، منها كما قالَ القرطبيُّ رحمهُ اللهُ: «كلُّ مُصِرٍّ على كبيرةٍ عالِمًا بها أو جاهلًا فهو معتدٍ» الجامع لأحكام القرآن (٢/٣٠٩). (١١)
فرُبَّ عبدٍ يلومُ ربَّهُ ويجولُ في سوءِ الظنِّ قلبُهُ، وهو المذنبُ الـمَلومُ المحسورُ، واللهُ هو السّميعُ المجيبُ.
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
عبادَ الله:
اعلموا أنَّ المقصودَ الأعظمَ بالدُّعاءِ هو العبادةُ؛ أنْ تمتثِلَ خضوعًا للهِ فتَقصِدَهُ بعملِكَ وطَلبِكَ، ولذا قال النبيُّ ﷺ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»، ثُمَّ قَرَأَ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[غافر:٦٠]. جامع الترمذي (٣٢٤٧)، من حديث سلمان رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (٢٦٨٥). (١٢)
وعلى هذا يكونُ معنى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْأي اعبدوني واستجيبوا لي بالطاعةِ، أستجبْ لكم بالقَبولِ والثَّوابِ والنعيمِ المقيمِ.
فما مِنْ عبدٍ قامَ للهِ بطاعةٍ صحيحةٍ مخلِصًا له –ومِنْ ذلك دعاءُ الطَّلبِ والمسألةِ– إلا قبِلَ اللهُ طاعتَهُ وأثابَهُ عليها أحسنَ الثَّوابِ.
أحسِنِ الظَّنَّ بربِّكَ، فإنَّهُ يقولُ في الحديثِ الإلهيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي». صحيح مسلم (٢٦٧٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (١٣)
واعلم يقينًا أنه لا يردُّك صِفرًا متى رفعتَ يدَكَ إليه، يقولُ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ». جامع الترمذي (٣٥٥٦)، من حديث سلمان رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (٢٨١٩). (١٤)
أَتَهْزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيهِ
وَمَا تَدْرِي بِما صَنَعَ الدُّعَاءُ
سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِي وَلَكِنْ
لها أمدٌ وللأمدِ انقِضاءُ
اللهمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ الكفرةَ المجرمين، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.