عنوان الخطبة: طمأنينة المؤمن.
عناصر الخطبة:
١- ركون أهل الدنيا للأسباب.
٢- كيف يطمئن المؤمن من المخاوف؟
٣– الأخذ بأسباب القوة.
الحمدُ للهِ القويِّ العزيزِ، يُنزلُ السَّكينةَ على مَن آمَنَ بهِ واتَّقاهُ، ويُلقي الرُّعبَ في قلبِ مَن كَفَرَ بهِ وعاداهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ». تِلكَ كانتْ إحدى دَعَواتِ النبيِّ ﷺ رواه أحمد في مسنده أحمد (١٥٤٩٢)، من حديث رفاعة الزُّرَقي رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (٥٤١). (١)
مِن نعيمِ الدُّنيا أنْ يُؤمِّنَ اللهُ قلبَكَ عندَ حُلولِ المخاوفِ، أنْ يَطمئِنَّ فُؤادُكَ عندَ اضطرابِ أفئدةِ الناسِ.
لذا قال النبيُّ ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا». جامع الترمذي (٢٣٤٦)، من حديث عبيد الله بن محصن رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (٣٣٤٠). (٢)
في خِضَمِّ الأخبارِ المُتناثِرَةِ، وأَتُونِ الأحداثِ المُتلاحِقَةِ، حيثُ يَكثُرُ القيلُ والقَالُ، أَصابَ الناسَ القَلَقُ والاضطِرابُ، وبدَّدَتِ المخاوِفُ أمنَهُم، وأرهقَ التَّفكيرُ والتَّدبيرُ عُقولَهُم.
خوفٌ وهَلَعٌ، اضطرابٌ وجَزَعٌ، تَشاؤمٌ وقُنوطٌ، وعيونٌ لا ترى إلّا صُورةً قاتِمَةً ومُستَقبَلًا مُظلِمًا.
أينَ المؤمنُ في لُجَجِ هذهِ الظُّلُماتِ؟ وما سبيلُ أَمنِهِ ومَشرَعُ نَجاتِهِ؟
إنَّ الغافلينَ في هذهِ الدُّنيا يَطمئنُّونَ بما معَهم من الأسبابِ الدُّنيويَّةِ، يَركَنونَ إليها مُطمئنّينَ بها، يَلْهَثونَ خلفَها لَهْثَ الظَّمآنِ، كما قال ربُّنا: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[يونس: ٧-٨].
إلّا أنَّهُم لا يَزدادونَ بأسبابِهِم إلّا وَهْنًا، ولا تَرى أحدَهُم إلّا هَلوعًا جَزُوعًا، إلّا مَن آمَنَ باللهِ وتوكَّلَ عليهِ.
قال الله: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج: ١٩-٢٣].
كيفَ يَطمئِنُّ المؤمنُ في هذهِ الدُّنيا وَسَطَ لُجَجِ المخاوِفِ؟
إنَّهُ الإيمانُ باللهِ الذي تَسكُنُ بهِ وإليهِ أَفئدةُ المؤمنينَ.
إنَّ المؤمنَ يَطمئِنُّ باللهِ، لأنَّهُ يُوقِنُ أنَّ لهُ وحدَهُ الأَمرَ، يُدبِّرُ سبحانهُ بِعِلمِهِ وحِكمتِهِ، وعَدلِهِ ورحمتِهِ، جميعَ شُؤونِ خَلقِهِ، لا يَسكُنُ مُتحرِّكٌ، ولا يَتحرَّكُ ساكِنٌ، ولا تَسقُطُ ورقةٌ، إلّا بإذنِهِ ومشيئتِهِ.
قال تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود: ١٢٣].
المؤمنُ يَعلَمُ أنَّ ما شاءَ اللهُ وحدَهُ كانَ، وما لم يَشَأْ لم يَكُنْ، وأنَّهُ كما قالَ عن نفسِهِ سبحانهُ: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[يوسف: ٢١].
يُوقِنُ أنَّ الرَّحَماتِ والنَّفعَ والخيرَ بيدِ اللهِ وحدَهُ، وأنَّهُ لا يَملِكُ أحدٌ لنفسِهِ ولا لغيرِهِ نَفعًا ولا ضَرًّا، ولا مَوتًا ولا حياةً ولا نُشورًا.
لقد نُقِشَت هذه الآيةُ في قلبه: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[فاطر: ٢]، فصار توكُّلُه على ربِّه ومولاه.
يَعلَمُ أنَّهُ لوِ اجتَمَعَ كلُّ الخَلقِ على نَفعِهِ أو ضَرِّهِ، فلَن يكونَ إلّا ما قَدَّرَهُ عليهِ ربُّهُ القائل: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة: ٥١].
يُوقِنُ أنَّهُ لا كاشفَ لِضُرٍّ أَصابَهُ إلّا اللهُ، فإنَّه القائل: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[الأنعام: ١٧].
مُطمئِنٌّ باللهِ الرَّزَّاقِ القويِّ المتينِ، الذي تَكفَّلَ بِرِزقِهِ وقُوتِهِ وقُوتِ عِيالِهِ، فَرَضِيَ بهِ رَزَّاقًا مُقيتًا.
ألم يَقُلْ جلَّ وعزَّ: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: ٦].
ألم يقُلْ سبحانَه: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت: ٦٠].
ألم يقُلْ نبيُّنا ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ». سنن ابن ماجه (٢١٤٤)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١٧٤٣). (٣)
إنَّ المؤمنَ يُوقِنُ أنَّ اللهَ وحدَهُ مَن يُدبِّرُ الأَمرَ، هوَ وحدَهُ مَن قَدَّرَ المقاديرَ، هوَ وحدَهُ مَن يُحيي ويُميتُ، يُؤتي المُلْكَ مَن يشاءُ، ويَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن يشاءُ، ويُعِزُّ مَن يشاءُ، ويُذِلُّ مَن يشاءُ، يَقبِضُ ويَبسُطُ، يُعطي ويَمنَعُ، يَخفِضُ ويَرفَعُ، يَملِكُ الخَلقَ وما يَملِكونَ، يَملِكُ قلوبَهُم وأسماعَهُم وأبصارَهُم، يُسَلِّطُ مَن شاءَ على مَن شاءَ بما شاءَ، ويَكُفُّ مَن شاءَ عمَّن شاءَ بما شاءَ، هوَ القاهِرُ فوقَ عبادِهِ، جلَّ وتقدَّس.
قال في كتابه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس: ٣١].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[المائدة: ١١].
وقال سبحانه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ [النساء: ٩٠].
المؤمنُ يُوقِنُ أنَّ اللهَ هو المُحيطُ بكلِّ شيءٍ، أَحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلمًا وقُدرَةً، فهو القائل: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا[النساء: ١٢٦].
أَحاطَ بالناسِ، وبِما يَعملونَ، وبِما يُخَطِّطونَ ويَـمكُرونَ.
ألم يَقُلْ سبحانه لنبيِّه ﷺ: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ [الإسراء: ٦٠].
قد تَرى أُمَّةٌ طُغيانَها بجنودِها، يَملَؤونَ البَرَّ والبحرَ والجوَّ، إلا أن الله قال: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج: ١٧-٢٠].
هذا الإيمانُ هو الذي يَجعلُ العبدَ لا يَركَنُ إلّا إلى اللهِ، ولا يَتوكَّلُ إلّا عليهِ، ولا يَطمئِنُّ إلّا بهِ، فهوَ وحدَهُ الوليُّ النَّصيرُ.
قال جلّ في علاه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [البقرة: ١٠٧].
المؤمنُ يَنظُرُ إلى أولادِهِ والمُستَقبَلِ، فيَعلَمُ أنَّهُم إنْ كانوا في كَفالةِ اللهِ، فَهُم في حِفظٍ وأمانٍ، وأنَّ اللهَ لا يُضَيِّعُ أهلَهُ، فيَتَّقي اللهَ تعالى الذي قالَ: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء: ٩].
يَرى الكُفّارَ والمنافقينَ يَـمكُرونَ ويُحارِبونَ ليَصُدّوا عن سبيلِ اللهِ، ويَرى معَهم من أسبابِ الغَلَبةِ والقُوَّةِ ما ليسَ معَ أهلِ الإيمانِ، إلّا أنَّهُ لا يَيْأَسُ ولا يَبتَئِسُ، بل يَعمَلُ في ثَغْرِهِ مُوقِنًا أنَّ كَلِمَةَ اللهِ هي العُليا، ويَعلَمُ أنَّ خارِطَةَ الدُّوَلِ لا تُرسَمُ في القاعاتِ المُغلَقَةِ، وأنَّ مَقاديرَ العِبادِ لا يَكتُبُها أَعضاءُ المحافِلِ المُظلِمَةِ، بل إنَّ كلَّ شيءٍ لا يكونُ إلّا بقدَرِ اللهِ ومَشيئتِهِ.
ألم يعِدْنا سبحانه فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال: ٣٦].
ألم يقُلْ سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: ٣٢-٣٣].
لقد بشَّرنا رسولُ الله ﷺ بظهور الإسلام فقال: «لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ، وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا». مسند أحمد (٢٣٨١٤)، من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣). (٤)
إنَّ المؤمنَ لا يَقنَطُ من رحمةِ اللهِ، ولا يَفقِدُ الأملَ، ولا يَعرِفُ اليَأسَ، بل هو دائمٌ يُحسِنُ الظَّنَّ بربِّهِ ومولاهُ، إذْ هوَ بكلِّ جميلٍ كفيلٌ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالإِياسُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» كشف الأستار عن زوائد البزار (١٠٦)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٠٥١). (٥)
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
عبادَ الله:
إنَّ طُمأنينةَ المؤمنِ باللهِ وتوكُّلَهُ عليهِ، ليستْ دَعوةً للتَّواكُلِ وتَركِ العَملِ، فإنَّ المؤمنَ يَعملُ بكِتابِ ربِّهِ الذي قالَ لهُ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ[الأنفال: ٦٠].
يأخذُ حِذْرهُ كما قالَ سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا [النساء: ٧١].
لقد أنزَلَ اللهُ سَكينتَهُ على رسولِهِ ﷺ يومَ الهجرةِ، بعدما أَخَذَ بأسبابِ النَّجاةِ، وأنزَلَ عليهِ وعلى المؤمنينَ السَّكينةَ يومَ حُنينٍ ويومَ بَيعَةِ الرِّضوانِ، عندما ثَبَتوا أمامَ جَحافِلِ الكُفرانِ.
الإيمانُ باللهِ والاستقامةُ على أمرِهِ سبيلُ الأمنِ والطُّمَأنينةِ في الدُّنيا والآخرةِ.
قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: ٣٠].
اللهمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ الكفرةَ المجرمين، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.