خطبة (تِبيانًا لِكُلِّ شَيء)

خطبة (تِبيانًا لِكُلِّ شَيء)

عنوان الخطبة: ﴿تِبيانًا لِكُلِّ شَيء﴾.

عناصر الخطبة:

١- البيان الشفاء.

٢- منظومة البيان.

٣– الدين الشامل البيّن واجب التطبيق.

 

الحمدُ للهِ النُّورِ الهادي، جَعَلَ كتابَهُ نورًا من كلِّ ظَلامٍ، وهُدًى وتِبيانًا لكلِّ شيءٍ، فليسَ فوقَ بيانِهِ بَيانٌ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ عليهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ أجمعينَ.

أمّا بعدُ، فاتّقوا الله عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وراقِبُوه في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عبادَ الله:

كانَتِ العَرَبُ في جاهليَّتِها مُولَعةً بالخَمرِ، تُديرُها على موائدِها، ويَتَغنَّونَ بِسَكْرَتِها، فَرَفَقَ اللهُ بهِم وتَدَرَّجَ في تَحريمِها، فلمَّا أنزلَ اللهُ قولَه:يَسْأَلُونَكَ ‌عَنِ ‌الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة: ٢١٩] الآيَةَ، قَالَ عمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ اللهُ عنه: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً»، فأنزَلَ الله قوله:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ ‌سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: ٤٣]، فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللهِ ﷺ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُنَادِي: «أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ!»، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً»، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالـمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ ‌مُنْتَهُونَ[المائدة: ٩١]، قَالَ عُمَرُ: «انْتَهَيْنَا! انْتَهَيْنَا!»  سنن أبي داود (٣٦٧٠)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢/٤١٥). (١)

هكذا هو دينُ اللهِ؛ البَيانُ الشِّفاءُ، من كلِّ عِلَّةٍ وداءٍ.

أَحاطَ اللهُ بكُلِّ شيءٍ عِلمًا، لا يَعزُبُ عنهُ مِثقالُ ذرَّةٍ، وهوَ ربُّ العالَـمينَ، القائل: إِنَّ ‌عَلَيْنَا ‌لَلْهُدَى [الليل: ١٢]، ومِن رُبوبِيَّتِهِ ألّا يَترُكَ خلقَهُ في العَمى والضَّلالِ، ولذا بَيَّنَ اللهُ لِعِبادِهِ دينَهُ وشَرْعَهُ، بيانًا شافيًا كافيًا، لا نَقْصَ فيهِ ولا غُمُوضَ ولا عِوَجَ.

قال تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ ‌تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: ٨٩].

وقال سُبحانَه: ‌مَا ‌فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[الأنعام: ٣٨]. 

وقال سُبحانَه: وَكُلَّ شَيْءٍ ‌فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء: ١٢].

بَيَّنَ اللهُ هذا البيانَ؛ حتّى يَهتَدِيَ الخَلقُ إليهِ، ويَعصِمَهُم منَ الغَوايَةِ والضَّلالِ في ظُلُماتِ المناهِجِ والأفكارِ، فلا يَدَعَ الحقَّ مُلتَبِسًا بباطلٍ.

قال تعالى: كَذَلِكَ ‌يُبَيِّنُ ‌اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[آل عمران: ١٠٣].

كلُّ شيءٍ يَحتاجُ إليه الخَلقُ في دينِهِم وعقيدتِهِم وشريعتِهِم، فيما تَصلُحُ بهِ حياتُهُم وآخِرَتُهُم، بَيَّنَهُ وفَصَّلَهُ بيانًا تامًّا بَليغًا لا التباسَ فيهِ، ولم يَنسَ منهُ شيئًا، قال سبحانه: ‌وَمَا ‌كَانَ ‌رَبُّكَ نَسِيًّا[مريم: ٦٤].

تَقرأُ القرآنَ والسُّنَّةَ، فَتَرى بيانَ أُصولِ الإيمانِ والاعتقادِ التي لا يَسَعُ المسلمَ جَهلُها، يُحدِّثُكَ أَبْيَنَ الحديثِ وأَكمَلَهُ عنِ اللهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ، عن رُبوبيَّتِهِ وإِلَهيَّتِهِ، عنِ اليومِ الآخرِ وتفاصيلِهِ كَرَأيِ العَينِ، عن ملائِكَتِه ورُسُلِهِ وكُتُبِهِ، عن أقدارِهِ وحِكمتِهِ وعِلمِهِ، عن بَرَكتِهِ ورَحمتِهِ التي شَمِلَتْ جميعَ خَلقِهِ.

وتَرى أَكمَلَ الحديثِ وأَشمَلَهُ عن شَرعِهِ وأَحكامِ دينِهِ، فَصَّلَ العِباداتِ والمُعاملاتِ، والفَرائضَ والمندوباتِ، فَصَّلَ الحَلالَ والحَرامَ، والصَّغائرَ والكبائرَ، والضَّروراتِ والحاجَاتِ والتَّحسيناتِ، ووَضَعَ الحُدودَ والعُقوباتِ، وبَيَّنَ الثَّوابَ والعِقابَ، فَتَبَيَّنَ الرُّشدُ منَ الغَيِّ، والحقُّ منَ الباطلِ.

أوَليسَ هوَ القائلَ سبحانَه: وَقَدْ ‌فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ[الأنعام: ١١٩]؟

بَيَّنَ سبحانهُ الأخلاقَ الحَسَنةَ منَ السَّيِّئَةِ، والطَّيِّبَ منَ الخَبيثِ، وبَيَّنَ الآدابَ والفضائلَ والشَّمائلَ.

بَيَّنَ سبحانَهُ صراطَهُ المستقيمَ، وأوصافَ المُتَّقينَ، وبَيَّنَ أيضًا سبيلَ المُجرمينَ، لِتُجتَنَبَ وتُحذَرَ، فقال: وَكَذَلِكَ ‌نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ[الأنعام: ٥٥].

ولعلَّ سائلًا يقولُ: فإنَّنا لا نَجِدُ بعضَ الأحكامِ مَنصوصًا عليها في كتابِ اللهِ، فكيفَ يكونُ تِبيانًا لكلِّ شيءٍ؟

فاعلَمْ يا عبدَ اللهِ! أنَّكَ متى تَأمَّلتَ كتابَ اللهِ وتَدَبَّرْتَهُ وأَعطَيتَهُ حَقَّهُ، وَجَدتَ فيهِ هذا البيانَ شافيًا تمامَ الشِّفاءِ، من ربٍّ حكيمٍ أَنزَلَهُ مُفَصَّلًا بَيِّنًا كامِلًا، لا يَأتِيهِ الباطلُ من بينِ يَدَيْهِ ولا من خَلفِهِ، وذلكَ أنَّكَ تَجِدُهُ على أحوالٍ:

فإمّا أنْ يَذكُرَ اللهُ الحُكمَ نَصًّا صَريحًا يَفهمُهُ عامَّةُ الناسِ، مثلَ وُجوبِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ والحَجِّ، وتَحريمِ الخَمرِ والزِّنى، فما إنْ يَسمَعُ الـمُسلمُ الآيةَ حتّى يَفهمَ مُرادَ اللهِ منها.

وإمّا أنْ يَذكُرَ سبحانهُ الحُكمَ في الآيةِ، لكنَّهُ يَحتاجُ إلى العالِمِ والفَقيهِ الذي يَستخرِجُهُ منَ الآيةِ طِبقًا لِلقواعدِ الصَّحيحةِ للفَهمِ والاستِنباطِ، كمِثلِ كثيرٍ من دَقائِقِ الأَحكامِ.

قال تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الكِتَابَ ‌مُفَصَّلًا [الأنعام: ١١٤].

فالقُرآنُ أَنزَلَهُ اللهُ بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ، يَسَّرَهُ لِلذِّكرِ والفَهمِ والعَمَلِ، لا إِلغَازَ فيهِ ولا غُمُوضَ، بل هو في غايةِ البيانِ والوُضوحِ، وإنّما احْتاجَ الناسُ إلى تَفسيرِ القُرآنِ وبيانِ مَعانيهِ لِقُصورِ فُهُومِهِم وعُلومِهِم، لا لِضعفِ بيانِهِ، فهوَ النُّورُ المُبينُ.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا ‌مُبِينًا [النساء: ١٧٤].

ثمَّ إنَّكَ تَجِدُ هذا البيانَ أيضًا في سُنَّةِ النَّبيِّ ﷺ، فإنَّ اللهَ أَوحى إليهِ السُّنَّةَ تِبيانًا للقُرآنِ فوقَ البَيانِ.

قال سبحانه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ‌لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: ٤٤].

تَجِدُهُ في السُّنَّةِ استقلالًا وتَشريعًا، على لسانِ رسولِ اللهِ ﷺ الذي لم يَكتُمْ شيئًا منَ الوَحيِ، لا يَنطِقُ عنِ الهوى، أَبلَغُ العربِ مَنطِقًا، وأَفصَحُهم لِسَانًا، الحَريصُ على أُمَّتِهِ.

كانَ يقولُ ﷺ لأصحابه: «لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُ لَكُمْ» صحيح البخاري (٧٠٨٩)، وصحيح مسلم (٢٣٥٩)، من حديث أنس رضي الله عنه. (٢)

يُجيبُهُم بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ، لا تَشَدُّقَ فيهِ ولا تَقعيرَ، بِكَلامٍ ظاهِرٍ يَعِيهِ الصَّغيرُ والكَبيرُ.

تقولُ أمُّ المؤمنين عائِشةُ رضي الله عنها: «كَانَ كَلَامُ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَلَامًا فَصْلًا، يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ». سنن أبي داود (٤٨٤١)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٠٩٧). (٣)

ولم يَقبِضِ اللهُ نبيَّهُ ﷺ حتّى بَلَّغَ الرِّسالةَ البَلاغَ الأتمَّ الـمُبينَ.

يقولُ أبو ذرٍ رضيَ اللهُ عنه: «تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الهَوَاءِ إِلَّا وهو يُذكِّرُنا مِنه عِلمًا، وَقَالَ ﷺ: مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ؛ إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ» المعجم الكبير (٢/١٥٥)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٨٠٣). (٤)

إنَّ المؤمنَ لا يُمكِنُهُ الامتِثالُ للقُرآنِ إلّا بالامتِثالِ للسُّنَّةِ، فإنَّ طاعةَ الرسولِ ﷺ من طاعةِ اللهِ، وما حرَّمَ رسولُ اللهِ ﷺ مِثلُ ما حرَّمَ اللهُ.

استمِع إلى هذا الفَهمِ مِن الصَّحابيّ الفقيهِ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِيَ الله عنه، فقد قالَ يومًا: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالـمُوتَشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالـمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الـمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: «وَمَا لِي لا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟!» فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: «لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧]؟» قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ» صحيح البخاري (٤٨٨٦)، وصحيح مسلم (٢١٢٥)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. (٥)

وتَجِدُ هذا البيانَ أيضًا في السُّنَّةِ العَمليَّةِ التي أَجمَعَ عليها أَصحابُ النبيِّ ﷺ وخلفاؤُهُ الرَّاشدونَ المهدِيُّونَ من بعدِهِ، فإنَّ النبيَّ ﷺ وَصَّانا بهِا، فقالَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الـمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» سنن أبي داود (٤٦٠٧)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (٢٤٥٥). (٦)

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:

عبادَ الله:

إنَّ علامةَ شُكرِكَ نِعمةَ بيانِ هذا الدِّينِ أنْ تَأخُذَهُ بقوَّةٍ في العِلمِ والدَّعوةِ، والتَّحاكُمِ والعَمَلِ، فإنَّ اللهَ أَمرَ بني إسرائيلَ بذلِك، فقالَ عن نبيِّهِم موسى عليهِ السَّلامُ: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا ‌لِكُلِّ ‌شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ[الأعراف: ١٤٥].

هكذا الأمر: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾، دونَ رَيبٍ، دونَ ضعفٍ، دونَ انتقاءٍ، دونَ خَجَل، دونَ حَرَجٍ، فإنَّه الحقُّ الـمُبين.

إنَّ كارِهي شريعةِ الرَّحمنِ، ومَن تَبِعَهُم منَ الجُهّالِ، يَدْعونَ الناسَ إلى التَّخلِّي عن أَحكامِ الشَّريعةِ؛ بِدَعوى أنَّها لا تَفِي بِوَقائِعِ الناسِ وحَوائجِهِم، ولذا يَدْعونَ الناسَ لِلتَّحاكُمِ إلى أَفكارِ الفَلاسِفَةِ، وآراءِ السَّاسةِ والقانُونيِّينَ المُحنَّكِين، وأنظِمَةِ الاقتصاديِّينَ، ونَبذِ حُكْمِ اللهِ وشَرعِهِ.

ألا فاعلَموا -عبادَ اللهِ- أنَّهُ ما من مسألةٍ أو واقعةٍ أو نازلةٍ، في صغيرٍ أو كبيرٍ، في أيِّ شأنٍ من شُؤونِ الحياةِ إلى يومِ القيامةِ، إلّا وللهِ فيهَا حُكمٌ وقَولٌ، ذَكَرَهُ وبيَّنَهُ، ولم يَنسَهُ أو يُهمِلْهُ، يُوجَدُ -كما ذَكرنا- في الكتابِ أو السُّنَّةِ، نَصًّا أو استِنباطًا، وإذا لم يُدرِكْهُ عوامُّ النّاسِ، فَلأنَّهُم ليسُوا مِن أهلِ الذِّكرِ والعِلمِ، لذا وَجَبَ عليهم أنْ يَمتثِلوا أَمرَ اللهِ القائل: فَاسْأَلُوا ‌أَهْلَ ‌الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: ٤٣].

إنَّ دينَ اللهِ تامٌّ كافٍ، شامِلٌ لِكلِّ نَواحِي الحياةِ، ليسَ فَحَسْبُ دينًا رُوحيًّا مُنعزلًا عنِ الواقِعِ، بل هوَ وحدَهُ بِأحكامِهِ الدِّينُ الصَّالِحُ المُصلِحُ لِلسِّياسةِ والقَضاءِ والاقتصادِ والأُسرةِ، للفَردِ والأُمَّةِ، للذَّكَرِ والأُنثى، للحاكمِ والمَحكُومِ.

إنَّهُ الكِتابُ الذي بَيَّنَ كلَّ شيءٍ، منَ العقائدِ والشَّرائعِ، إلى آدابِ المجالسِ واستِئذانِ الأطفالِ على والديهِم، لأنَّهُ دينُ الرَّبِّ العليمِ الحكيمِ.

اللَّهُمَّ يا وليَّ الإسلامِ وأَهلِه، مَسِّكْنَا الإِسلامَ حتّى نلْقَاكَ عَلَيه.

اللهمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ الكفرةَ المجرمين، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

شارك المحتوى: