خطبة ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾

خطبة ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾

عنوان الخطبة: ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾.

عناصر الخطبة:

١- عظمة بصر البصير سبحانه.

٢- ثمرات الإيمان بعظيم بصر الله.

٣- الله هو من يُبصّرُ قاصد الحقّ بالحقّ.

الحمدُ للهِ الذي هو بكلِّ شيءٍ بصيرٌ، يعلَمُ خائنةَ الأعيُنِ وما تُخفِي الصُّدورَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبادَ الله:

في ذاتِ يوم خَرَجَ عبدُ الله بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُ لَهُ، وَوَضَعُوا سَفْرَةً لَهُ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِي غَنَمٍ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «هَلُمَّ يَا رَاعِي، هَلُمَّ»، فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَتَصُومُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْحَارِّ، شَدِيدٍ سَمُومُهُ، وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذَا الْغَنَمَ؟» فَقَالَ لَهُ: إِيْ وَاللهِ! أُبَادِرُ أَيَّامِي الْخَالِيَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُرِيدُ أن يَخْتَبِرَ وَرَعَهُ: «فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ؛ فَنُعْطِيَكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيَكَ مِنْ لَحْمِهَا فَتُفْطِرَ عَلَيْهِ؟» فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ، إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي! فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: «فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلًا إِذَا فَقْدَهَا، فَقُلْتَ: أَكْلَهَا الذِّئْبُ؟» فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ؟! فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ وَالرَّاعِي فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ، وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ. شعب الإيمان (٤٩٠٨)، من طريق نافع عنه، والأثر صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٧/٤٧٠). (١).

ألَا ما أعظمَ الإيمانَ باللهِ وأسمائِهِ وصِفاتِهِ، إنَّهُ الشجرةُ المباركةُ التي تؤتي أُكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها.

أنْ تؤمِنَ باللهِ البصيرِ، الذي يرى ويُبصِرُ كلَّ شيءٍ، لا يَعزُبُ عنهُ مثقالُ ذرَّةٍ في السماواتِ ولا في الأرضِ.

قال سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ‌بَصِيرٌ [الملك: ١٩].

يَا مَنْ يَرَى مَدَّ البَعُوضِ جَنَاحَها

في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ البَهِيمِ الألْيَلِ
 

ويَرَى عُرُوقَ نِيَاطِها في نَحْرِها
 

والمُخَّ في تِلْكَ العِظَامِ النّحَّلِ
 

 بكلِّ شيءٍ بصيرٌ، في آنٍ واحدٍ، السماواتُ وما فيها من ملائكةٍ كرامٍ وأفلاكٍ عِظامٍ، الأرضُ وما عليها من إنسٍ وجانٍّ، وطيرٍ ووحشٍ وسائرِ الحيوانِ، حتى النملُ في الجُحورِ، والحيتانُ في البحورِ، والقلوبُ التي في الصدورِ، والماءُ يجري في الصخورِ، كلُّ هذا يراهُ اللهُ البصيرُ.

سبحانَهُ لا يَحجُزُهُ عن خلقِهِ حجابٌ، ولا سحابٌ، ولا ترابٌ.

هو كما قال عن نفسه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ ‌يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: ١٠٣].

لأنَّهُ اللهُ الحقُّ المبينُ، لهُ الكمالُ كلُّهُ، ومن كمالِهِ أنَّهُ البصيرُ، لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ.

شتّانَ بينَ إلهٍ حقٍّ يرى كلَّ موجودٍ، وإلهٍ باطلٍ ببصرٍ ضعيفٍ محدودٍ، ألم يعِبْ إبراهيمُ الخليلُ آلهةَ أبيهِ الباطلةَ قائلًا: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ ‌وَلَا ‌يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم: ٤٢].

عباد الله:

إنَّ المؤمنَ بعظيمِ بصرِ اللهِ سبحانهُ يطمئنُّ قلبُهُ بإيمانِهِ، فيتوكلُ على ربِّهِ الذي يرى كلَّ شيءٍ، ويكفيهِ من كلِّ شيءٍ.

ها هما موسى وهارونُ عليهما السلامُ يأمرُهما اللهُ بدعوةِ الطاغيةِ فرعونَ، قائلا: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا ‌أَسْمَعُ ‌وَأَرَى [طه: ٤٣-٤٦] 

هكذا الطمأنينة: إِنَّنِي مَعَكُمَا ‌أَسْمَعُ ‌وَأَرَى.

حدثني عنْ قلبكَ إذ تسمعُ قولَ الله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي ‌يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ[الشعراء: ٢١٧-٢١٩].

مَن ذا الذي يكيدُكَ إن كنتَ بعينِ اللهِ وفي حفظِهِ؟ فهو القائل: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ ‌بِأَعْيُنِنَا [الطور: ٤٨].

فوِّضْ أمرَكَ إلى اللهِ، إنَّهُ البصيرُ بخلقِهِ، يرى مكائدَهم، ويعلَمُ خائنةَ الأعيُنِ وما تُخفِي الصدورَ.

قُلْ بقلبِكَ قبلَ لسانِكَ قولَ مؤمنِ آلِ فرعونَ: فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ ‌بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٤-٤٥].

إنَّ إيمانَ المؤمنِ بعظيمِ بصرِ اللهِ يجعلُهُ يُحسِنُ طاعةَ اللهِ، الذي قال سبحانه: وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ ‌بَصِيرٌ [سبأ: ١١].

يُقيمُ العبوديّةَ على أحسنِ ما يكونُ؛ لأنَّ اللهَ يراهُ ويرى قلبَهُ حالَ عملِهِ، وذاكَ هو مقامُ الإحسانِ الذي سألَ عنهُ جبريلُ عليهِ السلامُ رسولَ الله ﷺ قائلا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإِحْسَانُ؟» قَالَ: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» صحيح البخاري (٥٠)، وصحيح مسلم (٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٢).

هذا هو ميدانُ التفاضلِ بينَ المؤمنينَ، فربَّما يُصلِّي الرجلُ بجوارِ أخيهِ والفرقُ بينَهما في المنزلةِ والثّوابِ كما بينَ السّماءِ والأرضِ.

ألم تقرأ قوله تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ ‌بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ؟ [آل عمران: ١٦٣].

إنَّ المؤمنَ بعظيمِ بَصَرِ اللهِ يكتفي بهِ بصيرًا، يعملُ الخيرَ ولا يضرُّهُ إنْ جحدَ الناسُ خيرَهُ وإحسانَهُ أو شكروا؛ فإنَّ ربَّهُ بصيرٌ بهِ، ومهما نسيَ الناسُ فضلَهُ، فهو مطمئنٌّ لقولِ ربِّه: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ ‌بَصِيرٌ [البقرة: ٢٣٧].

هكذا المؤمنُ، لا يشغَلُهُ أرأى الناسُ طاعتَهُ أم لا، بل يحرِصُ أن يُخرِجَ صدقتَهُ بيمينِهِ حتى لا تعلَمَ يسارُهُ عنها شيئًا، يوقِنُ أنَّهُ سيجدُ ثوابَها عندَ ربِّهِ يومَ الحسابِ، فهوَ القائلُ سبحانهُ: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ ‌بَصِيرٌ [البقرة: ١١٠].

أمّا مَن كانت فيهِ خصلةٌ من خصالِ النفاقِ فتراهُ حريصًا أنْ يرى الناسُ عملَهُ، حزينًا إنْ لم تبلُغْهُم طاعتُهُ، لم يكفِه أنْ رأى اللهُ صنيعَهُ، فبئسَ القومُ هم، استحقُّوا وعيدَ النبيِّ ﷺ القائلَ: «مَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ» صحيح مسلم (٢٩٨٦)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. (٣).

ما أعظمَهُ من وعيدٍ، حينَ يفضحُ اللهُ ذلك المرائي الذي قصدَ بعملِهِ أنْ يراهُ الناسُ ليعظِّموهُ ويكرِموهُ، فيرَونَ يومَ القيامةِ أنَّهُ ما أطاعَ لأجلِ اللهِ بل لأجلِهم، ويُطلِعُهم اللهُ على سريرتِهِ، فيفتضحُ ويخزى.

إنَّ المؤمنَ بعظيمِ بصرِ اللهِ يورثُهُ ذلكَ الوجَلَ والخشيةَ والحياءَ منهُ سبحانهُ، أنْ يراهُ على ما لا يُرضيهِ، فإنَّهُ على كلِّ شيءٍ شهيدٌ.

يخشى أنْ يعذِّبَهُ اللهُ بذنوبِهِ، فإنَّهُ يوقِنُ أنَّ اللهَ رآهُ على عصيانِهِ مع حلمِهِ وإمهالِهِ، فلا يغُرُّهُ ذلكَ، بل يحيَا وَجِلًا مشفقًا، مستشعرًا قولَ ربِّهِ: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ‌بَصِيرًا[الإسراء: ١٧].

يا عبد الله:

ألم يبلغْكَ هذا التهديد: أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ‌بَصِيرٌ[فصلت: ٤٠]. 

أينَ تذهبُ من اللهِ؟ أيُّ مكانٍ هذا الذي لا يصِلُهُ بصرُهُ سبحانهُ؟

إنَّهُ معكَ ببصرِهِ وبعلمِهِ أينما كنتَ، فهو القائل: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ‌بَصِيرٌ[الحديد: ٤].

ألمْ يُحذِّرْ ربُّنا ذاكَ المكذِّبَ المُعرِضَ عنْهُ فيقُل: أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى؟! [العلق: ١٣-١٤].

يا عبد الله:

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا

فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
 

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً

وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
 

إنَّ إيمانَكَ ببصرِ اللهِ يُورثُ قلبَكَ التقوى منهُ سبحانهُ، فهو القائل: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ ‌بَصِيرٌ [البقرة: ٢٣٣].

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:

اللهُ هوَ البصيرُ واهبُ السمعِ والبصرِ، يملِكُ وحدَهُ السّمعَ والأبصارَ، وهوَ وحدَهُ يأخذُ الأسماعَ والأبصارَ.

قال سبحانه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ ‌وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس: ٣١].

وقال سبحانه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ ‌وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ [الأنعام: ٤٦].

هوَ سبحانهُ مَن يُري عبدَهُ ما شاءَ، كما يُريهِ بعينِ بصرِهِ ما ينجو بهِ من الأذى، يُريهِ بعينِ بصيرتِهِ الحقَّ منَ الباطلِ، وهذا إنَّما هوَ لِمَن صدقَ في قصدِ الحقِّ، ونهى النفسَ عن الهوى، أمّا مَن كانَ إلهُهُ هواهُ فذاكَ الأعمى في الدنيا والآخرةِ.

قال سبحانه: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ ‌عَلَى ‌بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: ٢٣].

فمتى رأيتَ ضالًّا شريدًا عن ربِّهِ، متخبِّطًا في ظلماتِ التِّيهِ، فاعلَمْ أنَّهُ فضَّلَ العمى على الهدى، فأعماهُ اللهُ، جزاءً وفاقًا.

قال سبحانه: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا ‌الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [فصلت: ١٧].

اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلًا وارقنا اجتنابه.

اللهمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ الكفَرةَ المجرمين، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

شارك المحتوى: