عنوان الخطبة: الوسطية ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾.
عناصر الخطبة:
١- وسطيَّة الإسلام.
٢- معنى الوسطيَّة ومعيارُها.
٣- وسطيَّة أهل السُّنَّة.
الحمدُ للهِ الذي شرعَ الدِّينَ عدلًا قويمًا، ورَضيَ لنا الإسلامَ صراطًا مستقيمًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ، فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
عبادَ الله:
كان الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ النَّبِيَّ ﷺ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ[البقرة: ٢٢٢] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ! فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، أَفَلَا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ. صحيح مسلم (٣٠٢)، من حديث أنس رضي الله عنه. (١)
لماذا غضِبَ النَّبيُّ ﷺ وتغيَّرَ وجهُهُ؟
إنَّ الدِّينَ عندَ اللهِ الإسلامُ، والإسلامُ هو دينُ العدلِ، الدِّينُ الوَسَطُ، الذي رضِيَهُ اللهُ لعبادِهِ دينًا، وكلُّ ميلٍ عنهُ بزيادةٍ أو نُقصانٍ خروجٌ عن العدلِ والوسَطيَّةِ، ولأجل ذلك غضب النبيُّ ﷺ عندما خَشِيَ أن يخرجَ بعضُ المسلمين عن هذا الاعتدال والوسطية.
قالَ اللهُ تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: ١٤٣].
لقد تولَّى النبيُّ ﷺ تفسيرَ تلكَ الآيةِ، حينَ تلاها فقال: «وَالوَسَطُ العَدْلُ». صحيح مسلم (٨٦٦)، من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه. (٢)
هكذا قرَّرَ ﷺ، فأصلُ معنى الوسَطِ في دينِ اللهِ هو العدلُ والاعتدالُ.
العَدلُ وضعُ كلِّ شيءٍ في موضعِهِ، والظُّلمُ وضعُ الشَّيءِ في غيرِ موضعِهِ، وإذا وُضعَ الشَّيءُ في موضعِهِ كان هو الخيرَ وبهِ تقومُ حياةُ الخَلقِ.
وهذا الدينُ إنَّما شرعَهُ ربُّ العالمينَ، الذي من أسمائِهِ العليمُ والحكيمُ، لذا كانَ الدِّينُ كلُّهُ كما شرعَهُ اللهُ وسَطًا عَدْلًا، وهو الصِّراطُ المستقيمُ.
ألم يقلْ ربُّ العالمين: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام: ١١٥]؟
لقدْ وصّانا ربُّنا سبحانَه فقال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: ١٥٣].
يقولُ جابرُ بنُ عبدِ الله رضيَ اللهُ عنهما، كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَخَطَّ خَطًّا، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الْأَوْسَطِ، فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. سنن ابن ماجه (١١)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١١). (٣)
الوسطيَّةُ هي الإسلامُ الذي أنزلَهُ اللهُ ورَضِيَهُ دينًا، فمَن وافقَ الشَّرعَ عِلمًا وعَمَلًا وتحاكُمًا فهو على الوسَطيَّةِ، ومَن خالفَ الشَّرعَ فهو مائلٌ عن الوسَطيَّةِ.
إنَّ الوسَطيَّةَ ليست إقصاءَ الشَّريعةِ عن الحياةِ، والبحثَ عن شاذِّ الآراءِ للانفلاتِ من العبوديَّةِ، ليستِ التَّنازُلَ عن بعضِ أحكامِ الشريعةِ، والانحلالَ من قيودِ الوحيِ، إرضاءً لأصحابِ الأهواءِ، فإنَّ الله يقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة: ٤٩].
ليستِ الوسطيَّةُ إيجادَ نقطةٍ مشترَكةٍ بينَ الأفكارِ المتناقِضةِ ليحدُثَ بينها التَّناغُمُ والرِّضا، ولا الوقوفَ في مسافةٍ بينَ الحقِّ والباطلِ، أو التَّذَبْذُبَ بينهما كالشّاةِ العائِرةِ بينَ غنمينَ، مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء: ١٤٣]، بلِ اللهُ هو الحقُّ، ودينُهُ هو الحقُّ، وليسَ بعدَ الحقِّ إلَّا الضَّلالُ، قال تعالى:وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ [المائدة: ٤٨].
إنَّ معيارَ الوسَطيَّةِ الأوحدَ ما وافقَ الكتابَ والسُّنَّةَ، ذاكَ هو الميزانُ الذي أنزلَهُ اللهُ لتقومَ حياةُ الناسِ بالقسطِ والعَدلِ.
قال سبحانَه: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: ٢٥].
ويقول النبيُّ ﷺ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا».صحيح ابن حبان (١٢٢)، من حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٧١٣). (٤)
عبادَ الله:
إنَّ من أخصِّ صفاتِ وسطيَّةِ هذا الدِّينِ العظيمِ أنَّهُ وسطٌ بينَ ضلالاتِ الأديانِ، فإنَّ الأممَ التي ضلَّت وغضِبَ اللهُ عليها حرَّفَت دينَ اللهِ، إمَّا غُلُوًّا وإمَّا جفاءً وتقصيرًا، فأنعمَ اللهُ علينا بالإسلامِ دينًا وسَطًا في العقائدِ والعباداتِ والشَّرائعِ والأخلاقِ والآدابِ، لا غلوَّ فيهِ ولا تقصيرَ.
انظرْ إلى اليهودِ لعنَهمُ اللهُ كيف نَسبوا إلى اللهِ النَّقصَ، فقالوا فيه: فقيرٌ ويدُهُ مغلولةٌ، وانظرْ إلى النصارى كيف جعلوا الإنسانَ المخلوقَ الفقيرَ إلهًا معبودًا، لكنَّ الإسلامَ علَّم أتباعَهُ أنَّ اللهَ الإلهَ الحقَّ، لهُ الأسماءُ الحُسنى والصفاتُ العُلا، وأنَّهُ تعالى عن النَّقائصِ، وأنَّ عيسى عبدُ اللهِ ورسولُهُ.
انظرْ إلى اليهودِ كيف قتلوا الأنبياءَ والذين يأمرونَ بالقِسطِ من النّاسِ، وإلى النصارى كيف اتخذوا أحبارَهم ورُهبانَهم أربابًا من دونِ اللهِ، يُطيعونَهم في تحليلِ الحرامِ وتحريمِ الحلالِ، لكنَّ الإسلامَ جاءَ بتوقيرِ الأنبياءِ وطاعتِهم، وبتوقيرِ أهلِ العلمِ وسؤالِهم، دونَ طاعتِهم فيما أخطأوا وزلَّت فيهِ أقدامُهم.
انظرْ إلى اليهودِ كيف عبدوا الدُّنيا، فأكلوا الرِّبا واستحلُّوا الحرُماتِ بالحِيَلِ، وحرَّفُوا التَّوراةَ، وانظرْ إلى النصارى كيف جعلوا الدُّنيا دَنَسًا لا يتطهَّرونَ منهُ إلَّا برهبانيَّةٍ ابتدعوها، فجاءَ الإسلامُ الدِّينُ الوسَطُ ليُقرِّرَ الحقَّ في ذلك، كما قالَ تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٧٧].
هكذا الإسلامُ دينُ الوسَطِ والعدلِ والتَّوازنِ، في كلِّ أحكامِهِ وقيَمِهِ، استقامةٌ بلا طغيانٍ، واعتدالٌ بلا نقصانٍ.
قال تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود: ١١٢].
إنَّ النبيَّ ﷺ قرّرَ قاعدةَ التَّعبُّد فقال: «عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا-ثلاثًا-؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ».مسند أحمد (٢٢٩٦٣)، من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، وصححه الألباني في ظلال الجنة (٩٥). (٥) أي الزموا الاعتدال في العمل، لا غلوَّ ولا تقصير، وكان هذا هديَه.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا».صحيح البخاري (٣٣٣٩)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (٦)
لقد حذَّر النبيُّ ﷺ مِن كِلا الأمرين، فقال ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ»سنن النسائي (٣٠٥٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٢٨٣). (٧)
وقَالَ ﷺ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ»سنن أبي داود (٤٨٤٣)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الضعيفة (٧/٢٤٧). (٨).
ها هو أبو الدَّرداءِ رضيَ اللهُ عنهُ يُكثِرُ مِن التَّعبُّدِ حتى أثَّرَ هذا في حقِّ امرأتِهِ منهُ، فزارَهُ سلمانُ رضيَ اللهُ عنهُ ونصحَهُ قائلًا: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ ﷺ: «صَدَقَ سَلْمَانُ». رواه البخاري صحيح البخاري (١٩٦٨)، من حديث أبي جحيفة السوائي رضي الله عنه. (٩).
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
فكما أنَّ الإسلامَ هو الصِّراطُ المستقيمُ، والدّينُ الوسَطُ بينَ الأديانِ، كذلك كانَ الصَّحابةُ ومَن تبعَهم بإحسانٍ على السُّنَّةِ والجماعةِ هُمُ الفرقةَ الناجيةَ التي منَّ اللهُ عليها بالوسَطيَّةِ، فما دونهم مُقَصِّر وما فوقهم مُحَسِّر، وقد قصَّرَ قومٌ دونَهم فجَفَوا، وطمَحَ عنهم أقوامٌ فغَلَوا، وإنَّهم بينَ ذلكَ لعَلى هُدىً مستقيمٍ.
لقد وُجدَ في الأمَّةِ مَن يُكفِّرُ المسلمينَ بالذُّنوبِ ويُخلِّدونَهم في النارِ، ووُجدَ مَن قالَ: لا يضرُّ معَ الإيمانِ ذَنْبٌ، إلَّا أنَّ المنهجَ الذي كانَ عليهِ النبيُّ ﷺ وأصحابُهُ أنَّهم لا يُكفِّرونَ المسلمَ بذَنْبٍ إلَّا الكُفرَ والشِّركَ، لكنْ يخافونَ على المذنِبِ العقابَ ويرجونَ للمُحسنِ الثوابَ.
وُجدَ في الأمَّةِ مَن ينفي القدَرَ، ووُجدَ مَن يجعلُ الإنسانَ مجبورًا على أفعالِهِ، إلَّا أنَّ دينَ اللهِ الحقَّ الإيمانُ بالقدَرِ، وأنَّ الإنسانَ لهُ مشيئةٌ تابعةٌ لمشيئةِ اللهِ، وأنَّهُ محاسبٌ على أفعالِهِ.
وُجدَ في المسلمينَ مَن يرفعُ آلَ البيتِ والصالحينَ فوقَ منزلتِهم حتى جعلوهم شركاءَ للهِ، ووُجدَ مَن يتنقَّصُهم أو يُناصِبُهم الضَّغينةَ والعداءَ، والحقُّ موالاةُ المؤمنينَ، ومحبَّةُ آلِ بيتِ النَّبيِّ الكريمِ ﷺ، معَ تحريمِ الغُلوِّ فيهم ورفعِهم عن مقامِ العبوديَّةِ لربِّ العالمينَ.
وُجدَ في المسلمينَ مَن يُؤيِّدُ الظُّلمَ ويُطيعُ الوُلاةَ في المعاصي، ولا ينصحُ ولا ينهى عن المنكرِ، بزعمِ اجتنابِ الفتنِ، ووُجدَ منهم مَن يخرجُ عليهم ويُنازِعُ الأمرَ أهلَهُ ويُثوِّرُ الدَّهماءَ ويستحلُّ الدِّماءَ، زعمًا أنَّهُ ينهى عن المنكَرِ.
والحقُ الوسَطُ الذي جاءَ به رسولُ الله ﷺ ما قاله عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ». صحيح البخاري (٧١٩٩)، وصحيح مسلم (١٧٠٩)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. (١٠)
هذا دينُ اللهِ الحقُّ والصِّراطُ المستقيمُ، فمَن آمنَ بهِ واستقامَ عليهِ كانَ منَ الأمَّةِ الوسَطِ، شاهدًا يومَ القيامةِ بعدلِهِ وخيريَّتِهِ.
اللهمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ الكفَرةَ المجرمين، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.