عنوان الخطبة : ﴿سيُهزَم الجمعُ ويولون الدُّبر﴾
عناصر الخطبة :
١- الله متمُّ نورِه.
٢- طغيان الكفار قديمًا وحديثًا.
٣- عدوٌّ غادر يجمع لأهل الإسلام.
٤- لن يثبُت إلا المؤمنون.
الحمدُ للهِ مُتمِّ نورِهِ ولو كرِهَ الكافرونَ، ومُظهرِ دينِهِ ولو كرِهَ المشركونَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ، فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .
عبادَ الله:
قالَ تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر: ٤٥-٤٦].
هذهِ الآياتُ نزلتْ على نبيِّنا ﷺ وهوَ بمكَّةَ()، لكنْ أتدري متى جاءَ تأويلُها؟
يقول عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي! اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي! اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ!»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال: ٩] فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ» صحيح البخاري (٤٨٧٦)، من حديث عائشة رضي الله عنها. (١).
يقول ابنُ عباس رضي الله عنهما: فَخَرَجَ النبيُّ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ صحيح البخاري (١٧٦٣)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (٢).
كانَ كفّارُ أهلِ مكّةَ واثقينَ بالنَّصرِ؛ لاجتماعِهم على حربِ الإسلامِ والمسلمينَ، حتى قالوا: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ [القمر: ٤٤].
لكنْ أيُّ جمعٍ هذا الذي يستطيعُ أن يُطفِئَ نورَ اللهِ؟
إنَّ اللهَ تعالى قضى فقال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: ٥١].
الكفرُ مِلّةٌ واحِدةٌ، على مَدارِ التّاريخِ البشريِّ يَغُرُّهُم طُغيانُهُم، فيَكفُرونَ بربِّ العالمينَ، ويُحارِبونَ رُسُلَهُ وأولياءَهُ، ويَصُدّونَ الناسَ عن دينِهِ، يَكيدونَ ويَـمكُرونَ، يُهجِّرونَ المؤمنينَ من ديارِهِم، يَقتُلونَ المستضعَفينَ، يَنشُرونَ الفسادَ والظُّلمَ، يُشيعونَ الفواحشَ، ويَأكلونَ أموالَ الناسِ بالباطلِ، وفي لحظةٍ من لحَظاتِ طُغيانِ النُّفوسِ، يَظُنُّ المجرمونَ أنْ لا قيامَ بعدَ ذلكَ لدينِ اللهِ، وأنَّ بَطشَتَهُمُ الجائرةَ قد أزهقَتِ العدلَ والحقَّ، إلّا أنَّ العاقبةَ تكونُ كما قالَ سبحانَهُ: فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: ٤٢].
تَعالوا أَقصُصْ عليكُم خَبَرًا عن قَومٍ طُغاةٍ بُغاةٍ، أبادَهُم اللهُ، فما أَشبَهَ طُغاةَ اليومِ بِهِم.
إنَّهُم قَومُ شُعَيبٍ عليهِ السَّلامُ، قَومُ مَديَنَ، جَمَعُوا منَ الرَّذائِلِ والقَبائحِ ما استوجَبَ عَذابَ اللهِ وانتقامَهُ.
كانُوا كُفَّارًا، يَسكُنُونَ بُقعةً كثيرةَ الأشجارِ، أَغصانُها مُلتفَّةٌ، وثِمارُها يانِعةٌ، وظِلُّها وارِفٌ، ومَنظَرُها بَهيجٌ، فلم يَشكُروا نِعمةَ اللهِ بل كَفَروا بِها، زَيَّنَ لَهُم الشَّيطانُ أَعمالَهُم، فأَشرَكوا معَ اللهِ غيرَهُ.
سيرتُهُم -مثلَ سائِرِ الأُممِ- يَتَّخِذونَ من دونِ اللهِ آلِهَةً باطلةً، فتارةً يكونُ الطّاغوتُ بشرًا أو شجرًا أو حجرًا أو شمسًا أو قمرًا، وتارةً يكونُ عُرفًا أو فِكرًا مُقدَّسًا، القاسِمُ المُشتَرَكُ بينَهُمُ استِغناءُ الإنسانِ بما وَهَبَهُ اللهُ عنِ اللهِ، طُغيانُهُ باستِغنائِهِ، فَرُبَّما يَطغى بِعَقلِهِ، ورُبَّما يَطغى بِقوَّتِهِ، ورُبَّما يَطغى بِسُلطانِهِ وجُندِهِ.
نَبَتَت تِلكَ النَّبتةُ الخَبيثةُ – نبتةُ الكُفرِ – في قَومِ شُعَيبٍ، فأَثمَرَت كُلَّ خَبيثٍ منَ الأفعالِ والخِصالِ.
كانُوا قُطّاعَ طُرُقٍ، يَقطَعونَ سُبُلَ الناسِ ليَأخُذوا منهُم أموالَهُم قَهرًا وظُلمًا، حتى يَترُكوهُم وشأنَهُم، ويَقطَعونَ على الناسِ سبيلَهُم إلى اللهِ، يَصُدّونَهُم عنِ الإسلامِ.
يَبغونَ في الأرضِ ويَظلِمونَ الخَلقَ، تَراهُم في بَيعِهِم يَبخَسونَ الناسَ ويَنْقُصونَ المِكيالَ والمِيزانَ.
ها هو نَبيُّهُم شُعَيبٌ عليهِ السَّلامُ خَطيبُ الأنبِياءِ، يُنادي فيهِم كما أَخبَرَنا اللهُ تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف: ٨٥-٨٦].
كانَ يَأمُرُهُم بالعَدلِ الّذي قامَتْ بهِ الأرضُ والسَّماواتُ قائِلًا: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ [الشعراء: ١٨١-١٨٢].
ذَكَّرَهُم نَبيُّهُم بالخيرِ الّذي رَزَقَهُم اللهُ إيّاهُ، وأنَّهُ خَيرٌ لَهُم منَ الغَصْبِ وسَرِقةِ أموالِ الناسِ، قائلًا: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [هود: ٨٦].
إلَّا أنَّ طُغيانَ الإنسانِ يَقودُهُ إلى هَلاكِهِ، فَبَدلًا من أن يَستَجيبُوا للهِ قابَلُوا نَبِيَّهُ بالاِستِهزاءِ والإباءِ، زاعِمينَ أنَّهُم لَدَيهِم حُرِّيَّةٌ اِقتِصاديَّةٌ، يَفعَلونَ في أموالِهِم ما شاؤوا، لَيسَ للهِ عَلَيهِم سُلطانٌ.
قال تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود: ٨٧].
ثُمَّ قامتْ أجهزتُهمُ الإعلاميةُ بنشرِ الأراجيف، تحذِّرُ الناسَ أنَّ الإسلامَ للهِ، وأنَّ إقامةَ حُكمِهِ بالعدلِ وإعطاءَ الناسِ حقوقَهمَ سيؤديُ بهمْ إلى خسارةِ الدنيا ومتاعِها.
قال سبحانه: وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [الأعراف: ٩٠].
انقَسَمَ الناسُ إِلَى قِسْمَيْنِ، مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَهُمْ قَلِيلُونَ ضُعَفاءُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَهُمْ كَثيرُونَ كُبَراءُ، فَقَامَ الأَكثَرُونَ المَجرِمونَ يَتَوَعَّدُونَ المُسلِمينَ المُستَضعَفينَ بِالتَّهْجِيرِ وَالإِبعَادِ إِنْ لَمْ يَتْرُكُوا دِينَهُمْ.
قال سبحانه: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [الأعراف: ٨٨].
إلَّا أنَّ المؤمِنَ الذي خالطَتْ بَشاشةُ الإيمانِ قلبَهُ وذاقَ حلاوتَهُ، أنَّى لهُ أنْ يَرتَكِسَ في خُبثِ الكُفرِ بعدَ إذْ نَجَّاهُ اللهُ منهُ؟
مرَّتِ الأيّامُ وظنَّ المجرِمونَ أنَّهُم غالبونَ، إلَّا أنَّ اللهَ عزيزٌ ذو انتقامٍ، أنزلَ عليهم عذابًا ثُلاثيًّا جزاءً وفاقًا.
عذَّبَهُم بالصَّيحةِ، وبالرَّجفةِ، وبالظُّلَّةِ.
لقد صاحُوا بشُعيبٍ وأهلِ الإيمانِ، ينهَونَهُم عن الإسلامِ ويَسخَرونَ منهم، فكانَ جزاؤُهُم صيحةً عظيمةً أَسكَتَت غُرورَهُم فصاروا خامدينَ، قال الله: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود: ٩٤].
وأرادُوا تهجيرَ المؤمنينِ مِنْ أرضِهِمْ فزلزلَها اللهُ مِنْ تَحتِهِمْ.
قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف: ٩١].
وتعجَّلوا عذابَ اللهِ قائلينَ لنبيِّهِم صَلَفًا وكِبرًا:فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِي [الشعراء: ١٨٧]، فكانَ الجزاءُ غَمامَةً أظلَّتهم، تتطايرُ منها النِّيران، تُحْرِقُ الأخضرَ واليابس، ومعها أجسادهم الخبيثة، قال عزّ وجلّ: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء: ١٨٩].
كانتِ النهايةُ كما قال سبحانه: فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا [هود: ٩٤-٩٥].
أتدري ما معنى كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ؟
صارَت بلادُهُم وديارُهُم خاويةً، كأنْ لم يسكُنْها أحدٌ، وكأنَّهُ لم تكُنْ فيها حياةٌ من قبلُ، فأينَ ذهبوا؟ وأينَ هي حضارتُهُم وأسواقُهُم؟ صارُوا أثرًا بعدَ عينٍ، وما ربُّكَ بظَلَّامٍ للعَبيدِ!
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
فلمّا كفَرَتْ قُريشٌ بدَعوةِ الإسلامِ، أمرَهُمُ اللهُ أن يعتَبِروا بحالِ الأُممِ السّابقةِ قائلا: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر: ٤٣-٤٦].
غَرَّتْهُم قُوَّتُهُم ولم يعتَبِروا، واللهُ حليمٌ لكنَّهُ لا يَنسى، فقد تأتي اللَّحظةُ التي قالَ اللهُ عنها: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف: ٥٥].
نَشهَدُ اليومَ تآزُرَ اليهودِ والصَّليبيِّينَ والوثنيِّينَ جميعًا على عدوٍّ واحدٍ، وهوَ الإسلامُ وأهلُهُ، يَكيدونَ لنا أَخبثَ الكَيدِ، كُلُّ أراضينا لهم هدفٌ، وكُلُّ ثرَواتِنا لهم مطمَعٌ، نَزعوا أَقنعتَهمُ الزّائفةَ، ووَضعوا مواثيقَهمُ الدَّوليَّةَ تحتَ الأقدامِ، وأكَلوا أصنامَهمُ التي خَدَعوا بها السُّذَّجَ، إنَّهُم يَحشُدونَ عُلوجَهم، ويومًا ما سيأتونَ إلى عُقرِ دارِ الإسلامِ في ثمانينَ غايةً، تحتَ كلِّ غايةٍ اثنا عشَر ألفًا، جيشٌ قِوامُهُ قريبٌ من مليونِ مُجرمٍ، هكذا أَخبَرَنا نبيُّنا ﷺ فقال: «اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ» ثم ذكر منها فقال: «ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا». صحيح البخاري (١٧٦٣)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (٣).
هم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ». فقيل له: الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» صحيح البخاري (١٧٦٣)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (٤).
إنَّ ذلكَ كائنٌ لا محالةَ، ويعلَمُ اللهُ وحدَهُ متى يكونُ، إلَّا أنَّهُ لن يَثبُتَ أمامَ تلكَ الجحافِلِ إلَّا المؤمنونَ، الذينَ آثَرُوا اللهَ على شهَواتِهمْ، جاهدُوا في اللهِ حقَّ جهادهِ، لم تَغُرَّهُم الدنيا، عبيدُ اللهِ وحدَهُ، لا يَسْتَرِقُّهم ملكٌ أو مالٌ أو سلطانٌ، قد أَعَدُّوا لهمُ القُوَّةَ والسِّنَّانَ، مُتوكِّلُونَ على الحَيِّ القيّومِ، والعاقِبةُ للمتَّقينَ، وكَلِمَةُ اللهِ هيَ العُليا ولو كَرِهَ المجرِمونَ.
اللهمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ الكفَرةَ المجرمين، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتَّقاكَ واتَّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.