خطبة (الله مخزي الكافرين)

خطبة (الله مخزي الكافرين)

عنوان الخطبة: الله مخزي الكافرين.

عناصر الخطبة:

١- الله مخزي الكافرين في الدنيا والآخرة.

٢- صور الخزي والهوان للكافرين.

٣– يوم الدين يشفي الله صدور المؤمنين.


الحمدُ للهِ الذي وعدَ أولياءَهُ بالنَّصرِ والعزَّةِ، وتوعَّدَ أعداءَهُ بالهوانِ والذِّلَّةِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ، فاتقوا اللَّهَ عبادَ اللَّهِ حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عبادَ الله:

بعد وَقعةِ بدرٍ أُلقي صناديدُ الكُفر في بئر خَبيثة، وبعدَ ثلاثةِ أيامٍ وقفَ النبيُّ ﷺ على تلك البئر مناديًا: «يَا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ! يَا أُمَيَّةُ بنَ خَلَفٍ! يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ! يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ! أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُ ولَ اللَّهِ! مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ». رواه البخاري ومسلم(صحيح البخاري (٣٩٧٦)، وصحيح مسلم (٢٨٧٥)، من حديث أبي طلحة رضي الله عنه. (١)).

قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ؛ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً، وَحَسْرَةً وَنَدَمًا.

لا تزالُ المعركةُ بينَ المؤمنينَ وبينَ جندِ الشيطانِ من الكافرينَ والمنافقينَ مستعرةً لا تنطفئُ جَذوتُها، تدول الأيامُ بينهم، فيجعلُ اللهُ الغلبةَ لأوليائِهِ، وإنْ وقعتِ الجَولةُ يومًا لأعدائِهِ، لِيَمِيزَ اللهُ الخبيثَ من الطيبِ.

والمؤمنونَ في لحَظاتِ الانكسارِ والاستضعافِ ربَّما تضعُفُ عزائمُهم لِما يرونَهُ من طُغيانِ المجرمينَ، إلّا أنَّهم يوقنونَ بقولِ ربّهم سبحانه: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ ‌الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: ١٣٩]. 

إنَّ اللهَ تعالى قضى أنَّ الخزيَ على الكافرينَ في الدنيا والآخرةِ، فقالَ مخاطبًا إياهم: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ ‌مُخْزِي الْكَافِرِينَ [التوبة: ٢].

يُخزيهم في الدنيا بالذُّلِّ والهوانِ، بأيدي المجاهِدينَ المؤمنينَ المؤيَّدينَ بالحجَّةِ والبيانِ، والقُوَّةِ والسِّنانِ، كما قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ‌وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة: ١٤].

وأمَّا الآخرةُ فإنَّها كما قالَ تعالى: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ ‌أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ[فصلت: ١٦].

إنَّها رحلةٌ من عذابِ الخِزيِ والـهُونِ، منذُ أنْ تُحيطَ بهم ملائكةُ العذابِ، حتى يُلقَوا في دَرَكاتِ الجحيمِ.

إنَّ أوَّلَ هذا الخزيِ يومَ مماتِهم حينَ تَضرِبُ الملائكةُ وجوهَهم وأدبارَهم، قال سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [الأنفال: ٥٠].

ثُمَّ تَزجُرُهم وتقولُ لهم: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ‌الْهُونِ [الأنعام: ٩٣].

يسمعونَ التَّقريعَ والتَّوبيخَ، فيُنادَى عليهم بأقبحِ أسمائِهم، تُنادي الملائكةُ أرواحَهمُ الخبيثةَ وتقولُ: «اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ! اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٍ!». رواه أحمد(مسند أحمد (٨٧٦٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٤٢٥٢) (٢)).

سوفَ تَفنى الدُّنيا، لكنْ لا تَفنى الحياةُ، سوفَ يموتُ الطُّغاةُ الظلمةُ المجرمونَ، لكنْ لن تسقُطَ جرائمُهم، يبعثُهُم اللهُ وهم يصرُخونَ من شِدَّةِ الفَزَعِ قائلينَ: ‌يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس: ٥٢]. 

يعلَمُونَ أنَّ هذا هوَ يومُ الدِّينِ والجزاءِ، لذا يُنادُونَ على أنفسِهم بالوَيْلِ قائلين: يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ [الصافات: ٢٠].

نعمْ، هوَ يومُ الجزاءِ، يأخذونَ فيهِ جزاءَهمُ العادلَ غيرَ منقوصٍ، وليسَ العذابُ يومئذٍ النارَ فحسبُ، بلْ قرينُهُ العذابُ المُهينُ، حيثُ يغشاهُم الذُّلُّ والـهَوانُ من كلِّ مكانٍ.

قال تعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ ‌عَذَابٌ ‌مُهِينٌ [آل عمران: ١٧٨].

وأعظمُ عذابِ المهانةِ والذِّلَّةِ لهم يومَ القيامةِ، عندما يُحجَبُونَ عن ربِّهِمُ الرَّحمنِ، فلا يَرَوْنَ وجهَهُ الكريمَ، ولا يَنظُرُ إليهم، ولا يُكلِّمُهُم، ولا يُزكِّيهم، وهم عن بابِهِ مطرودونَ.

قال سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ ‌لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ [المطففين: ١٥-١٧].

ومِنْ عذابِ الهُونِ: قُبْحُ أجسادِهم، فهي في غايةِ القُبْحِ والبشاعةِ.

يقول النبيُّ ﷺ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ، مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ»، وقال: «ضِرْسُ الْكَافِرِ، أَوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ». رواه مسلم(صحيح مسلم (٢٨٥١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٣)).

وجوههم مَهينةٌ كالِحة، سوداءُ مغبرّةٌ، قال تعالى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: ٤٠].

وقال سبحانه: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا [يونس: ٢٧].

ومِنْ عذابِ الهُونِ توبيخُ الملائكةِ لهم واستهزاؤُهم بهم؛ تذكيرًا لهم بجرائمِهم، يقولون لهم: ‌ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران: ١٨١]، ‌ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر: ٤٨]، ‌فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ: ٣٠].

أمَا واللهِ لو رأيتَ حالَهم وقدْ أحضَرَتْهُمُ الزبانيةُ، فنَكَسُوا رؤوسَهم حولَ جهنَّمَ جِثِيًّا على رُكَبِهم، ثُمَّ أُخِذَ كُبراؤُهم فقُدِّموا إلى النارِ قبلَهم أذلَّاءَ صاغرينَ.

قال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ ‌جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا [مريم: ٦٨-٦٩].

وقال سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [السجدة: ١٢]. 

بلْ كيفَ لو رأيتَ الملائكةَ وقدْ وضعوا في أعناقِهمُ السلاسلَ والأغلالَ، يَجُرُّونهم إلى جهنَّمَ على وُجوهِهم، يُؤخَذْ برؤوسِهم وأقدامِهم، فيُلقَونَ في الجحيمِ.

قال جلّ وعلا: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ ‌يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر [القمر: ٤٧-٤٨].

وقال تعالى: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر: ٧١-٧٢].

وقال سبحانه: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ ‌بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن: ٤١].

تَعرِضُهُم الملائكةُ على النارِ، فلا يَجِدونَ إلَّا الحَسراتِ والوَيْلاتِ.

قال سُبحانَه: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا ‌عَلَى ‌النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف: ٢٠].

تعلو الذِّلَّةُ نَظَراتِهم في تلكَ الحالِ: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى: ٤٥].

فما إنْ تَلفَحُ النارُ وجوهَهم حتى يَصرُخونَ قائلينَ: إِنَّ شَجَرَتَ ‌الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ [الأنبياء: ٤٦].

فإذا أُلْقُوا في النارِ، جَمَعَتِ الزَّبانيةُ لهم مع الزَّقُّومِ والغِسلينِ والضَّريعِ ومقامِعِ الحديدِ: التَّوبيخَ والتَّقريعَ والتَّحقيرَ؛ عذابًا فوقَ العذابِ.

قال تعالى: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا ‌فَإِنْ ‌عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [الدخان: ٤٣-٥٠].

هنا يَصرُخونَ، يَتوسَّلونَ، يَستغيثونَ، يُنادُونَ ربَّهُم نادِمينَ على كُفرِهِم وطُغيانِهِم، يَسألونَهُ إخراجَهُم ليُؤمِنوا، وليَعمَلوا صالحًا، فيكونُ الجوابُ أعظمَ من العذابِ.

أوَلم تسمعْ قول الله عن حالهم: قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ * إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [المؤمنون: ١٠٧-١٠٨]؟

إنَّهُم يُنادُونَ على الملائكةِ بتخفيفِ العذابِ ولو يومًا واحدًا، فكيفَ يكونُ الجوابُ؟

تُجيبهمُ الملائكة: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ ‌مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [غافر: ٥٠- ٥٢].

يُنادُونَ على خازِنِ النارِ؛ يَسألونَهُ الموتَ، وأنّى لهم الموتُ؟! وهلْ يكونُ الموتُ الجزاءَ على كُفرِهِم وظُلمِهِم وطُغيانِهِم؟ لا واللهِ، لا موتَ، لا يُقضى عليهم فيموتوا، ولا يُخفَّفُ عنهم من العذابِ شيئًا.

قال الله: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف: ٧٤-٧٨].

أتدري متى أجابَهم خازنُ النارِ؟

يقولُ عبدُ الله بنُ عمرِو بنِ العاصِ رضي الله عنهما: «يُخَلِّي عَنْهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا لَا يُجِيبُهُمْ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ [الزخرف: ٧٧] فَيَقُولُونَ: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون: ١٠٧] قَالَ: فَيُخَلِّي عَنْهُمْ مِثْلَ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَجَابَهُمُ: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * ‌هَلْ ‌ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا يَنْبِسُ الْقَوْمُ بَعْدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، إِنْ كَانَ إِلَّا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ». رواه الحاكم(المستدرك (٨٧٧٠)، وصححه الألباني في تحقيقه على كتاب رفع الأستار (ص١٣٤) (٤)).

ثُمَّ هاهُم يندَمونَ حيثُ لا يَنفَعُ النَّدمُ، يَتلاعَنونَ، يَلعَنُ بعضُهم بعضًا، يَلعَنُ الأتباعُ الكُبراءَ، يَتبرَّأُ كلُّ طاغيةٍ من جُنودِهِ، ويتمنَّى الأصاغرُ لو وضعوا أسيادَهم المُجرمينَ تحت أقدامِهِم.

فنعوذُ بالجَبّارِ، من حالِ أهلِ النارِ.

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:

أيُّها المؤمنُ المستضعَفُ! ألمْ يَبلُغْكَ أنَّكَ على موعِدٍ أنْ يَشفيَ اللهُ صدرَكَ، فيُريَكَ بعينِكَ ما سيفعلُهُ اللهُ بذاكَ الأثيمِ الذي كفَرَ باللهِ، وتسلَّطَ عليكَ بصُنوفِ الأذى صَدًّا عن سبيلِ اللهِ؟

أُريدُكَ بعدما سَمِعتَ شيئًا عن ذاكَ الهَوانِ، أنْ تَنظُرَ إلى حالِهِم، ولنْ تَرى إلَّا الذُّلَّ والهَوانَ، والصُّراخَ والبكاءَ، معَ ما هُم فيهِ مِن عذابِ الجحيمِ.

قال النبيُّ ﷺ: «إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ يَعْنِي مَكَانَ الدَّمْعِ». رواه الحاكم(المستدرك (٨٧٩١)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٦٧٩) (٥)).

أبشر فإن الله يقول: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * ‌هَلْ ‌ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين: ٣٤-٣٦].

اللهمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ الكفرةَ المجرمين، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

شارك المحتوى: