خطبة ( ﴿ما اتخذَ اللهُ من وَلد﴾)

خطبة ( ﴿ما اتخذَ اللهُ من وَلد﴾)

عنوان الخطبة : ﴿ما اتخذَ اللهُ من وَلد﴾

عناصر الخطبة :

١- أعظم فِرية نسبةُ الولد لله.

٢- من الذي افترى ذلك من الأمم؟

٣- براهين بُطلان اتِّخاذ الله ولدًا.

٤- عاقبة الأفَّاكين يوم القيامة.

٥- حُرمة الاحتفال بأعياد المشركين.

الحمدُ للهِ الأحدِ، الفردِ الصَّمدِ، الذي لمْ يتَّخذْ ولدًا ولمْ يكنْ لهُ كفُوًا أحدٌ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ، فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى، وراقِبُوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عبادَ الله:

مشهَدٌ مِنْ مشاهدِ العِزّةِ، إذ يقفُ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ، ومعَهُ نفرٌ منْ أصحابِ النَّبيِّ ﷺ ممَّنْ هاجرُوا إلى الـحَبشةِ؛ فِرارًا بدينِهِمْ مِنْ أذى المشركينَ، وفي المجلسِ نفسِه يقفُ عمرُو بنُ العاصِ ومعَهُ عبدُ اللهِ بنُ أبي ربيعةَ -وكانَا مشركَينِ حينئذٍ-، قدْ أتَيَا بتكليفٍ مِنْ صناديدِ كفَّارِ قريشٍ؛ لاستئصالِ المسلمينَ المهاجرينَ، وبينَهُمَا النَّجاشيُّ ملِكُ الحبَشةِ، ملكٌ عادلٌ لا يُظلَمُ عندَهُ أحدٌ.

يعرِضُ جعفرٌ رضيَ اللهُ عنهُ دينَ الإسلامِ دينَ التَّوحيدِ والعدلِ، ويُبيّنُ محاسِنَهُ، وقُبحَ الجاهليَّةِ ورجسَها وظُلمَهَا، وحينئذٍ يُفصحُ النَّجاشيُّ أنَّ هذَا هوَ الدِّينُ الذي جاءَ بهِ موسى عليهِ السَّلامُ.

هنا يغضبُ عمرُو بنُ العاص، فيأتي في اليوم التَّالِي ليُدلي عند الملِك بما يظنُّ أنَّه يستأصل خضراءَ المسلمين، قائلًا: «أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ»، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، فقَالَ جَعْفَرٌ رضي الله عنه: «نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا؛ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ العَذْرَاءِ البَتُولِ»، فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: «مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا العُودَ»، فتَناخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ (أي نفَروا وتكلَّمُوا بغضَب) حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: «وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي» أي آمِنُونَ. مسند أحمد (١٧٤٠)، باختصار، من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وحسنه الألباني في صحيح السيرة (ص١٨٠). (١).

أتدرونَ ما أعظمُ فريةٍ وأقبحُ سُبَّةٍ قالَهَا إنسانٌ في حقِّ اللهِ؟

إنَّهَا يومَ أنْ نَسبُوا للهِ ولدًا.

قالَ معاذُ بن جبلٍ رضيَ اللهُ عنه: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ عَلَى رِقَابِهِمْ بِذُلٍّ مُغْرِمٍ، أَنَّهُمْ سَبُّوا اللَّهَ سَبًّا لَمْ يَسُبَّهُ أَحَدٌ» غريب الحديث (٣/١٠٧٤)، بإسناد صحيح عنه. (٢).

إنَّ هذه الفِريةَ الشَّنيعةَ المنكَرَة، سمَّاها اللهُ نفسُه مَسبَّةً له، فقالَ كما جاءَ في الحديثِ الإلهيِّ: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ! وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي! وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ، فَقَوْلُهُ: لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا» صحيح البخاري (٤٤٨٢)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. (٣).

إنَّ هذَا الباطلَ -لشناعتِهِ- تكادُ تزولُ منهُ السَّماواتُ وتنشقُّ الأرضُ وتخِرُّ الجبالُ هدًّا.

ألمْ تسمعْ قولَ الجليلِ العزيزِ سبحانه: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ‌وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا؟ [مريم: ٨٨-٩٣].

إنَّ هذَا الكذِبَ تجرَّأَ عليهِ المفترونَ منَ اليهودِ والنصارى ومشركِي العربِ، أتواصَوْا بهِ؟ بلْ همْ أفّاكونَ مجرمونَ كذّابونَ، قاتلهُمُ اللهُ أنّى يؤفَكُونَ.

قالَ سبحانه: وَقَالَتِ الْيَهُودُ ‌عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة: ٣٠].

وقال سبحانه في الوَثنيِّين من العرب الذين قالوا: الملائكةُ بناتُ الله: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * ‌وَلَدَ ‌اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الصافات: ١٤٩-١٥٢].

عِبادَ الله:

مَعَ أنَّ هذَا القولَ منْ أبطَلِ الباطِلِ وأشنَعِ الأكاذيبِ، فإنَّ اللهَ تعالَى أقامَ البراهينَ على بُطلانِهِ في كتابِهِ، ليُقيمَ الحجَّةَ بهِ على عبادِهِ.

قالَ جلّ وعلا: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ‌وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [البقرة: ١١٦]. 

إنَّ كلَّ مَنْ سِوى اللهِ منَ الخلقِ مِلكٌ لهُ وعبيدٌ، مقيمونَ على طاعتِهِ طَوعًا وكَرهًا، فكيفَ يكونُ العبدُ المملوكُ ابنًا للهِ، تعالَى اللهُ عمَّا يقولونَ علوًّا كبيرًا.

وقالَ سبحانَه: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ‌وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [يونس: ٦٨].

إنَّ اللهَ هوَ الغنيُّ منْ كلِّ وجهٍ، لا يَحتاجُ إلى وَلدٍ، والإنسانُ إنمَّا يطلُبُ الولَدَ لحاجتِهِ إليهِ، يستعينُ بهِ مِنْ ضَعفٍ، ويستأنسُ بهِ منْ وَحشةٍ، ويورِّثُهُ بعدَ موتِهِ، أمَّا ربُّ العالمينَ فلهُ كَمَالُ الغِنَى، وهوَ الأوَّلُ والآخِرُ، كُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إلَّا وجهَهُ.

ثمَّ إنَّ هذهِ العقيدةَ كفرٌ وافتراءٌ على اللهِ، وقولٌ عليهِ بلا علمٍ، فأيُّ حُجَّةٍ لكمْ وسُلطانٍ أتاكُم في دَعواكم هذهِ؟ ولذلكَ تُواصِلُ الآياتُ ردًّا عليهم: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس: ٦٨-٧٠].

ويقولُ سبحانَه: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ ‌صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام: ١٠٠-١٠١].

أبطَلَ اللهُ فِريتَهُمْ بأنَّهُ في قانُونِ الأسبابِ لا يكُونُ ولدٌ إلّا عنْ أصلَينِ، سببٍ فاعلٍ ومحلٍّ قابلٍ، واللهُ تعالَى وتنزَّهَ عنِ الصَّاحِبَةِ، فهُوَ الفَردُ الذي لا مثيلَ لهُ، وكُلُّ مَنْ سِواهُ مخلوقٌ، هوَ سبحانَهُ منْ أوجدَهُ وخلقَهُ.

ثمَّ إنَّ العَليمَ بكلِّ شَيءٍ أخبرَنَا عنْ نفسِهِ أنَّهُ ليسَ لهُ ولدٌ، ولمْ يتَّخذْ ولدًا، فهلْ للهِ ولدٌ لا يعلمُهُ؟ حاشاهُ سبحانَهُ وتعالَى عمَّا يقولُ الظالمونَ علوًّا كبيرًا.

وإنْ كنتُمْ عجِبتُمْ مِنْ خَلقِ عيسى عليهِ السَّلامُ منْ غيرِ أبٍ، فإنَّ الذي خلقَهُ بديعُ السَّماواتِ والأرضِ، خلقَهُمَا على عِظَمِهِمَا ومَا فيهِمَا منْ آياتٍ باهراتٍ منْ غيرِ مثالٍ سابقٍ، أفيُعْجِزُهُ أنْ يَخلُقَ عيسى منْ غيرِ أبٍ، كمَا خلقَ آدمَ منْ ترابٍ بلا أمٍّ ولا أبٍ؟

ثمّ إنَّ الإلهَ الحقَّ لا مثيلَ لهُ، فلوْ كانَ لهُ ولدٌ لكانَ لهُ مثيلٌ، ولوْ كانَ لهُ مثيلٌ لكانَ لهُ شريكٌ، واللهُ لا شريكَ لهُ.

قالَ سبحانه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

إنَّ اللهَ تعالَى هوَ الأحدُ في ذاتِهِ وفي صفاتِهِ، ليسَ لهُ كفؤٌ ولا نظِيرٌ، الصَّمدُ الذي لا جوفَ لهُ، ومِنْ صمديَّتِهِ أنَّهُ لا ينقسِمُ ولا يتجزَّأُ حتّى يصيرَ شيءٌ منهُ في غيرِهِ، ولذَا قالَ سبحانَهُ في الحديثِ الإلهيِّ: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي، كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ» صحيح البخاري (٤٩٧٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٤).

بارَكَ اللهُ لي ولكم في القُرآنِ العظيمِ، ونَفَعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم فاستغفِروه، إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيمُ.

 

الخطبة الثَّانية

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:

عبادَ الله:

إنَّ هؤلاءِ الذينَ كَذَبُوا وافترَوْا على اللهِ بأنَّ لهُ ولدًا سيتساقطونَ في جهنَّمَ عِطاشًا خالدينَ فيهَا، كمَا أخبرَنَا نبيُّنَا ﷺ أنَّهُ: «في يومِ القيامة يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ؛ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا! فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ، وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا! فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ» صحيح البخاري (٧٤٣٩)، وصحيح مسلم (١٨٣)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (٥).

عبادَ الله:

في ظلِّ محاولاتِ المجرِمينَ والمبطِلينَ إبطالَ عقيدةِ التَّوحيدِ، بجَعْلِ المسلمينَ يذوبونَ ويتماهَونَ معَ العقائدِ المنحرِفةِ، وينصَهرونَ معَ اليهوديَّةِ والنَّصرانيَّةِ في بُوتقةِ الإبراهيميَّةِ المفتَراةِ المزوَّرةِ، تأتي أعيادُ النَّصارى الذينَ زعَمُوا أنَّ للهِ ولدًا، قُتلَ وَصُلِبَ وقامَ، فنرَى كثيرًا منَ المسلمينَ يشارِكُهُمْ في أعيادِ سَبِّ ربِّ العالمَينَ، بدعوى الإنسانيَّةِ والتَّعايُشِ.

إنَّ المؤمِنَ يعتزُّ بدينِهِ وعقيدتِهِ، ويستقلُّ بقِيَمِهِ وهُويّتِهِ، يؤمِنُ باللهِ الواحدِ الأحدِ، ويغضَبُ لهُ ويُنزِّهُهُ عنِ النَّقصِ والسُّوءِ، ويبرَأُ إليهِ منَ الشِّركِ وأهلِهِ، ويستنكِرُ مقالاتِ الكُفرِ ويكفُرُ بهَا، ولا يشاركُ المشركينَ في زُورِهِمْ وأعيادِهِمْ، لا احتفالًا ولا تهنئَةً، لهُمْ دينُهُمُ الباطلُ ولنَا دينُنَا الحقُّ، وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يونس: ٤١].

وإنّنَا -معاشرَ المسلِمينَ - أولى بعِيسَى عبدِ اللهِ ورَسُولِهِ منهُمْ، كمَا قالَ نبيُّنَا ﷺ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» صحيح البخاري (٣٤٤٣)، وصحيح مسلم (٢٣٦٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (٦).

اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

شارك المحتوى: